اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بدلاً عن: (السلام عليكم)

بدلاً عن: (السلام عليكم)

نشر في: 29 يونيو, 2013: 10:01 م

يشير محمد عابد الجابري أثناء ردّه على رسالة حسن حنفي في كتاب حوار المشرق والمغرب: إلى اندهاشه أول حلوله في دمشق، من تحية الناس بعضهم لبعض بكلمة (مرحباً)، حيث يقول، إن هذه الكلمة تستخدم في المغرب للترحيب وليس لإلقاء التحيّة، إذ تستخدم بدلاً عنها تحية الإسلام: (السلام عليكم)، ثم يؤكد بأنه لم يفهم سبب استخدام هذه التحيّة، إلا بعد أن التفت إلى أن أفراد المجتمعات التي توجد فيها أديان كثيرة، يسعون لاستخدام تحية محايدة فيما بينهم، بخلاف تلك التي يعيش فيها أبناء دين واحد.
هذا الذي أشار إليه الجابري، يمثل آلية من آليات التصالح المجتمعي، التي تستخدمها المجتمعات لتحقيق الانسجام بين أطيافها المختلفة، ولذلك قلّما نعثر على التشدّد لدى أبناء العوائل التي يكون الأبوان فيها من دينين، أو مذهبين، أو قوميتين، مختلفتين، والسبب أن هذه العوائل تسعى لتجفيف المنابع التي تهددها، كوحدات اجتماعية متماسكة، بالتفكك، وهي هنا منابع عقائدية/ فكرية. بعبارة أخرى يسعى الأبوان إلى التركيز على المشتركات الفكرية، الدينية، أو القومية، في أجواء العائلة، فينشأ الأطفال وهم يحملون صورة جميلة عن المختلف عنهم.
المغزى، أننا كمجتمع لن نصل لحالة الاستقرار الأمني ما لم نصل قبل ذلك لاستخدام آليات التصالح المجتمعي، وفي مقدمة هذه الآليات تجفيف المنابع الثلاثة الأهم للإرهاب، وهي: المنبع الفكري والمنبع الاجتماعي والمنبع المالي. وعمليات التجفيف لكل من هذه المنابع لا بد أن تتولاها مؤسسات مصالحة محترفة ومخلصة، ويديرها مسؤولون لا يعانون من أمراض التمييز.
هناك فرق كبير بين نوع المصالحة التي عمل عليها غاندي ونيلسون مانديلا، وبين بقية أنواع المصالحة التي عمل عليها المرضى بالتمييز، فالأولى حقيقية وتبدأ بتقديم التنازلات من قبل الزعيم نفسه، فلا أحد يستطيع أن يزايد على معاناة مانديلا من التمييز العنصري الذي استخدمه البيض ضده، ولذلك عندما انطلق بالمصالحة من مسامحته البيض، كانت انطلاقته مثمرة وموفقة. أما النوع الثاني من المصالحة، كالذي استخدمناه نحن، فهو نوع غير مثمر لأنه فوقي واستفزازي، ويهتم بدفع الآخر إلى تقديم التنازلات، لذلك فهو عملية تصفية حسابات أكثر منه عملية مصالحة. وقد راعني مطالبة ائتلاف دولة القانون بقانون تجريم حزب البعث في واحدة من أكثر لحظات التوتر الطائفي في العراق، وهي حركة تعبر عن عدم قناعة الأكثرية بقدرتها على السيطرة على الأوضاع في البلد، ومن خوفها المبالغ به من التاريخ القريب، بعبارة أخرى: لدينا أكثرية تتعامل بذهنية الأقلية، ذلك أن الأكثرية الحقيقية لا تخاف من تقديم التنازلات، وتعمل بطريقة احتوائية، لأنها أم الولد كما يقولون، أي أنها الخاسر الأكبر من حالة تفكك الدولة، والرابح الأكبر من عافيتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مات عفلق

    الفرق الكبير بالمصالحة الذي تحدثت عنه المقالة ليس كما جاء فيها من حيث ان مصالحة مانديلا تختلف عن مصالحة ( المرضى بالتمييز ) ! الفرق ان هناك نظام مجرم اعترف واقر بالذنب بعد ان هزم تحت الضغط الشعبي والمجتمع الدولي وتبع ذلك اجراءات قانونية لم يعترض احد على

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram