TOP

جريدة المدى > عام > اندي مارتن.. النهضة الفرنسية في سيرة ملاكم وحامي هدف

اندي مارتن.. النهضة الفرنسية في سيرة ملاكم وحامي هدف

نشر في: 30 يونيو, 2013: 10:01 م

قصة كيف تشاحن صديقان مفكران حول ماركس، يعاد هناروايتها مع إضاءة طفيفة على الأفكار التمهيدية الفلسفية هل نبدو ما نحن عليه، أم نحن ما نبدو عليه؟ هنا يجيبنا الغلاف الورقي لكتاب اندي مارتن " الملاكم وحامي الهدف ". في زاوية هناك جان بول سارتر، القزم الذاو

قصة كيف تشاحن صديقان مفكران حول ماركس، يعاد هنا
روايتها مع إضاءة طفيفة على الأفكار التمهيدية الفلسفية
هل نبدو ما نحن عليه، أم نحن ما نبدو عليه؟ هنا يجيبنا الغلاف الورقي لكتاب اندي مارتن " الملاكم وحامي الهدف ". في زاوية هناك جان بول سارتر، القزم الذاوي ناظرا على نحو مختلس نحو الكاميرا. في الأخرى هناك البير كامو، عينان رائقتان تلمع، شعر يومض، ما يمكن أن يكون بورتريه هوليوودي. بعد الحرب كان الناس غالبا ما يقولون له إنه شبيه همفري بوغارت. كان تشبيها جيدا، لكنه سيكون حتى أفضل لو قالوا له أن تذلل بيتر لور وتباكيه كانا سيجعلانه سارتر من الطراز الأول، في فلم على شاكلة " كازابلانكا " يدور حول مساهمات شخصية في النهضة الفرنسية لأثنين من المفكرين.
لم يدّع كامو يوما إنه كان بطل أفعال. بعيدا عن كلام الصحافة المعادية للنازية، كان دائما يقول إنه فعل القليل في الحرب. لم يكن هذا تواضعا منه بل شرفاً يعود على رجل رأى ما يكفي من خدمات فعّالة ليعرف ان هناك آخرين رأوا أكثر منه بكثير. البعض منهم رأوا الكثير جدا بحيث لم يعودوا أبدا يرون أي شيء ثانية، بمن فيهم عوينات سارتر – الذي لم يفعل شيئا، أثناء الإحتلال، سوى التزلف كي تحظى واحدة من مسرحياته بالعرض.
من نواح أخرى، كان يجمع بين سارتر وكامو الكثير. كلا الرجلين، كما يشير مارتن في وصفه للمخاوف والشكوك التي أُتخمت بها الفلسفة الفرنسية بعد الحرب، نشأ من دون أب. كلاهما كان يطارد النسوان. كلاهما كان يؤمن بأن الكتابة تدور حول تثبيت ما يبدو كونه حيا. كلاهما رأى الوضع البشري متناقضا، وحتى متكرر المعنى بلا ضرورة. (( أنا لست ما أنا، )) قال سارتر. (( أنا غريب عن نفسي، )) قال كامو. كلاهما جادل بإمكانية ما دعاه مارتن بـ (( تسامي الدنيوي )) – الإيمان، الذي حتى في غياب الله، ربما يظل ضروريا في حياة البشر، ربما يظل ذا معنى. كلاهما، بإختصار، كان وجوديا.
ما كانا مختلفين حوله هو ماركس. إعتقد سارتر بأن الماركسية منسجمة مع الوجودية. بما أن الماركسية هي حتمية – قد تعتقد أن لك سلطة على حياتك، لكنك في الواقع دمية بيد قوى أكبر مثل الماديات والآيدلوجية – أنت لست بحاجة أن تكون برتراند رسل كي ترى أن سارتر كان على موقف مضلل. البشر هم أما أحرار أو ليسوا كذلك، لكن خارج بلاد العجائب لايمكنهم أن يكونوا الأمرين معا. برغم كل إدّعاءته بأنه وفق بين الفلسفة الإنسانية والنظرية التاريخية ( وبين هيغل وهيدغر )، فإن سارتر لم يحاول عمل المستحيل. إنه فقط تفوّق على نفسه تفوّقاً باهرا. وكامو قال له ذلك. (( المبارزة حتى الموت ))، وفقا لمارتن، كانت دائرة.
لو لم يكن كامو توفي في حادث تحطم سيارة في 1960، عن عمر السادسة والاربعين، لكن صراعهما، حقا سيتواصل. سارتر يوجه لكمات ( ويبربر ) حول الثورة الدموية، التي لن تكون ضرورية فحسب، بل أيضا إلغاءً للذات ( (( العنف يشبه رمح آخيل، يمكن ان يشفي الجروح التي سببها )) )، وكامو يصّد لكمة مضادة موضحا ما يجب أن يكون فطرة سليمة ( (( ما من قضية تبرر موت الأبرياء )) ).
يروي اندي مارتن هذه القصة الميكروسومية عن الفكر الفرنسي بعد الحرب مع إضاءة طفيفة عن الأفكار التمهيدية للفلسفة. حاول أن يكون منصفا، فالوضوح المبهج لنثره كان يعني انه لا يمكن ان يأخذ جانب صراحة كامو ضد موقف سارتر الذي لا سبيل الى فهمه. كيف ، يتساءل المرء بينما هو يحاول مرة ثانية فهم " الكينونة واللاشيئية "، يمكن لإنسان، رواياته تستمد نفسها من الواقعي والتجريبي، أن يزفر مثل هذه التجريدات الطنانة ؟ ليس كل شيء يمكن أن يُخلق بسيطا، بالطبع، لكن تفلسف سارترالمتمعج، العاكس لذاته، والمتقلب لايمت بصلة الى البساطة المقحمة لرواياته. يتصاعد الشك بأنه كان يكتب بتلك الطريقة لأنه أراد أن يُظهر أنه أذكى مما كان عليه. لو أن الأمر هكذا، فذلك يعنى إنه كان متمردا على القاعدة الأولى للوجودية : كن صادقا مع نفسك. لا عجب أن كامو، الذي كان دائما يعترف بأكاذيبه، يستهجنه.
" الملاكم وحامي الهدف " هو الأخير في صف من كتب حديثة تناولت رجلين إتخذا وضع المقاتل أحدهما ازاء الاخر. ويتغينستاين وبوبر، ليوناردو وميكيل آنجلو، كينيس وهايك – كلٌ كان له مشاحناته التي تحولت الى مشاريع بالغة الأهمية بواسطة ناشرين شديدي الحاجة الى خطوط جديدة على معارك قديمة. واحدة من المزايا العديدة لكتاب مارتن هي أن شكل معركته يلائم، في الحقيقة، التلاكم الفلسفي لخصميه. الشجار حول صواب وأخطاء الثورة العنيفة كان العامل الحاسم الرئيسي للنصف الثاني من القرن العشرين.
لا كل شيء متكامل تماما هنا. في موضع من قصته، يقول لنا مارتن أن (( كل ناقد كتاب جدّي يكره الكتب التي ينقدها ))، إيحاء يُظهر القياس المنطقي فيّ. ما من ناقد جدّي يحب الكتب التي ينقدها. أنا أحب " الملاكم وحامي الهدف ". أنا لست ناقد كتب جدّي. ما يعني، ربما عليك ان لا تأخذني بعين الإهتمام حين أقول أن هذا الكتاب هو كتاب جيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

في مديح الكُتب المملة

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

مقالات ذات صلة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع
عام

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

علي بدركانت مارلين مونرو، رمزاَ أبدياً لجمال غريب وأنوثة لا تقهر، لكن حياتها الشخصية قصة مختلفة تمامًا. في العام 1956، قررت مارلين أن تبتعد عن عالم هوليوود قليلاً، وتتزوج من آرثر ميلر، الكاتب المسرحي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram