TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > النصراوي ودوّاي.. حقائق جديدة

النصراوي ودوّاي.. حقائق جديدة

نشر في: 1 يوليو, 2013: 10:01 م

أمضيت اكثر من الوقت المعتاد في التحديق بلقطة جمعت محافظ البصرة ماجد النصراوي مع محافظ ميسان ذائع الصيت علي دوّاي. حاكم البصرة زار رجل ميسان الشهير وتحدثا معا أمام الصحفيين في موضوع مهم يقوم بتنبيهنا الى حقيقة جديدة. لقد اعلنا بدء تنسيق بين حكومة البصرة المحلية التي ينتمي محافظها للمجلس الاعلى، وحكومة ميسان "الصدرية"، وبالتحديد في ملف القوانين التي يريد زعيم ائتلاف دولة القانون الطعن فيها.
المحافظان تحدثا بشكل خاص عن التعديل التاريخي الذي اقره البرلمان قبل اسبوع لصلاحيات المحافظات، وأعلنا بشكل واضح ان خصم المالكي في هذه المعركة (اذا وجد قدرة على خوض معركة) لن ينحصر في الأغلبية البرلمانية، بل ان الخصم الأكبر سيتمثل بالحكومات المحلية في مدن ذات طابع ستراتيجي محاطة بالبحر والنفط و"المظلومية السياسية" التي يتخندق وراءها فريق السلطان دوما.
التعديل التشريعي الجديد ليس مجرد "مناكفة" لصلاحيات المالكي المتغوّلة والتي لا تتطابق مع الدستور. بل هو نتيجة لنضج سياسي يتنامى في المدن البعيدة التي لم تشتغل في السياسة منذ انهيار نظام الولايات العثماني تقريبا.
التعديل التشريعي أعاد للمحافظات ٨٠ في المائة من الصلاحيات الدستورية التي ابتلعتها "صفقة قانونية" جرت وسط غموض أجواء ٢٠٠٨. والتعديل هذا شاركت فيه مراكز القوى السياسية من نينوى حتى البصرة، دون ان يتأثر بكل الانقسام الطائفي في المنطقة، ودون ان يتأثر بمحاولة فريق المالكي إيهام "الجمهور الشيعي" بأن "المخربين في نينوى والأنبار" يريدون إعادة البعث الى السلطة. التعديل هذا يكشف لنا كيف تمكنت نخب سياسية من تطوير وعيها بأساسيات إدارة الدولة، ومنع "النفاق السياسي" من العبث بالمصالح الكبرى التي يتعين على السياسة الرشيدة حمايتها.
التعديل العابر للطوائف والقوميات، ينبهنا الى ولادة متواصلة لرؤية عراقية في الإدارة يمكنها تخفيف وطأة الانقسامات الداخلية، ومنح الجميع ثقة وضمانات ليكونوا جزءا من النظام السياسي، مدافعين عنه ومساهمين في حمايته.
وقفة النصراوي ودوّاي وإعلانهما انهما مع الحكومات المحلية في نينوى والأنبار، في الدفاع عن هذا القانون، هي حقيقة سياسية لم تكن موجودة حين نقضت المحكمة الاتحادية قوانين مماثلة تلبية لرغبة المالكي، وأصدرت فتاوى تسهل على فريق السلطان محاولة الاستيلاء على كل شيء، وإخضاع كل شيء.
والحقيقة السياسية الجديدة لا تتمثل فقط في قدرة الأحزاب الكبرى على تنسيق صحيح للمواقف يحمي التعدد السياسي والحياة الدستورية. بل في قدرة النخب في المدن البعيدة، على ان تقوم بتنضيج مواقف محلية تساهم في صناعة قرارات المركز السياسي.
لم يعد قادة الأحزاب في بغداد قادرين على تجاهل التصورات السياسية في تلك المدن. ولذلك فان اكثر المتحمسين للتعديل التشريعي الذي اغضب المالكي، كان منصور التميمي النائب عن البصرة ونائب رئيس لجنة الأقاليم في البرلمان، والذي لم يجد فائدة من البقاء في كتلة "دولة القانون" فتركها وراح يعمل مع ممثلين متنوعين لمحافظته وللمحافظات الاخرى، ويستعين بخبراء من كندا لرسم صورة حديثة لمعايير الإدارة المطلوبة.
إننا أمام صورة مفرحة، تعني بأن لدينا فرصة كي نتعلم السياسة ونخرجها من كونها مجرد صفقات بين "عشائر وطوائف" كما حصل في السنوات العشر الماضية، فنحن مثل باقي البشر، قادرون على تعلم نظم الإدارة من التجارب المتقدمة. وقد ارتكبنا من الأخطاء ما يكفي لنتعلم. ومن حقنا ان نبني أحلاماً تتأسس على حقائق تتجذر، لعراق مختلف في السنوات العشرالمقبلة.
والصورة مفرحة ايضا لان جزءا مهما من إسلاميي العراق صاروا يعملون في "ورشة مشتركة" مع علمانييه، لاستيحاء اكثر النظم حداثة في ادارة الخلاف وصوغ رؤى التشارك داخل نظام دستوري. ما يعني اننا لسنا أمام ممكنات تقدم عراقي وحسب، بل ان الإسلام السياسي في بلادنا يمتلك فرصة كبرى ليتحول الى داعم وضامن لنموذج عيش مشترك يخفف الخلافات الثقافية والأيديولوجية وأشكال الانقسام الأخرى، وعندها فان الأحزاب الدينية ستجد من شركائها العلمانيين كل التفهم اللازم في اطار تنازلات متبادلة تقدمها الأوطان لنفسها، بحثا عن تسوية اجتماعية وسياسية، تعلن تماسك الأمة.
ومن شأن تسوية كهذه ان تهدئ روع كل اليائسين في بلادنا، وتمنحهم ثقة نادرة بأن النظام السياسي يمكن ان ينجح، وأن التغيير يكمن في الشرعية الدستورية وحمايتها من نزوات الحمق السياسي. وأن ننجح في التعلم من أخطاء مرسي التي تضع مصر الكبيرة في موقف صعب يريد شبابها اليوم ان يعلنوا في إطاره ان الحرية والحداثة شأن يليق بشعوبنا ايضا، وأن اختطاف الأحلام لم يعد مهمة سهلة يقوم بها بضعة حمقى ورتل مدرعات قرب القصر الجمهوري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عراقي من الجنوب

    ليتركوا التنسيق بينهم من اجل معاداة ومصالحة الحكومة اتركوهم يعمروا محافظاتهم فهو خير من العمل السياسي والتناحرات الجانبية التي ستشغلهم عن حال المحافظات البائس اتمنى من الاخوة المحافظين ان يتركوا تلك التناحرات جانبا لانها ستسئ الى مقامهم وجنابهم الكريم

  2. مهند

    اتمنى ان يتحقق هذا الوئام السياسي الذي تتحدث عنه المقالة ولو بعد حين، اتمنى ان ارى نهظة محلية الصنع تدور عجلتها في محافظات العراق كافه..كفى انشغالاً بالطوائف وبالجيران...كفى فقد تعب العراق بشكل لا يماثله تعب !!

  3. ابو عقيل

    - الحكومات المحلية في مدن ذات طابع ستراتيجي محاطة بالبحر والنفط و المظلومية السياسية التي يتخندق وراءها فريق السلطان دوما. هذه المظلومية السياسية انت واتباعك الذي كرسها في العراق - بل هو نتيجة لنضج سياسي يتنامى في المدن البعيدة التي لم تشتغل في السياسة م

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram