TOP

جريدة المدى > مسرح > التراث في مسرحية " الحكيمة والصياد "

التراث في مسرحية " الحكيمة والصياد "

نشر في: 1 يوليو, 2013: 10:01 م

عُرفَ عن الكاتب السرياني العراقي " هيثم بهنام بردى " , بوصفهِ قاصاً وشاعراً فتمَ التبشير بهِ نقدياً داخل المشهد الثقافي العراقي وفقاً لهذا التوصيف , فحلقَ بعيداً في  فضاء السرد العراقي مُنتجاً الرواية والقصة القصيرة كرواية الغرفة 213 الصادرة في

عُرفَ عن الكاتب السرياني العراقي " هيثم بهنام بردى " , بوصفهِ قاصاً وشاعراً فتمَ التبشير بهِ نقدياً داخل المشهد الثقافي العراقي وفقاً لهذا التوصيف , فحلقَ بعيداً في  فضاء السرد العراقي مُنتجاً الرواية والقصة القصيرة كرواية الغرفة 213 الصادرة في بغداد عام 1987  والمجموعة القصصية ( حب مع وقف التنفيذ ) عام 1989 , و(  الليلة الثانية بعد الألف ) والمجموعة القصصية الفائزة بجائزة نعمان الثقافية في بيروت (  تليباثي ) وغيرها من المجاميع القصصية . وفي مجال الكتابة المسرحية , تُطالعنا التجربة الثَرْة لـ( بردى ) بوصفهِ كاتباً مسرحياً من الطراز الأول حينما نحى لنفسهِ مجالاً خاصاً بهِ من خلال الكتابة المسرحية لفئة الأطفال بشكل عام والفتيان بشكل خاص , وهو بهذا يُقارب التجربة المُكتنزة للكاتب المسرحي العراقي ( طلال حسن ) . لقد أنجز " بردى " نصهِ المسرحي الأول الموسوم بـ( الحكيمة والصياد ) الذي يُعد تكملة لمسيرة المسرح السرياني في العراق وهذا النص خصصهُ لفئة الفتيان , على اعتبار أن هذهِ الفئة هي بمثابة حد فاصل بين مرحلتين عُمريتين مُختلفتين هُما مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب وبالتالي تُعد فئة الفتيان مدخلاً مهماً لولوج الحياة وإستكناه عوالما خفية والتعرف الى ماهيتها , لذا عمدَ " بردى " الى التماهي مع التقنيات المُحببة للفتيان حينما تجلت في الأبعاد الفكرية لهذا النص كالحث على العمل الصالح والقناعة وحُب الخير للناس والدعوة الى عدم الاتكال على الآخرين في إنجاز متطلبات حياتنا فضلاً عن إبداء المُساعدة والإيثار , كُلها مفاهيم تربوية صاغها " بردى " في قالب قصصي مُحبب في سبعة مشاهد ضمن أنساق نصهِ المسرحي الذي يتحدث متنه الحكائي , حول صياد سمك لديه عائلة كبيرة متكونة من زوجته وأطفالهِ , يُحاول هذا الصياد بشتى الطُرق سد رمق أفراد عائلتهِ مع حصولهِ على رزق قليل مُقارنة بمُتطلباتهم الكثيرة , إذ تجري مُحاورة بينه وبين عجوز تجلس وسط سوق السماكين تبيع الملح للناس حيثُ تحاول هذهِ العجوز بث العزيمة في روح الصياد الذي لا يُعير أي أهمية لكلامها ..
الصياد:  صباح الخير يا خالة.
العجوز:  (تنظر إليه بعمق) صباح الخير، كيف كان أمسك..؟
الصياد:  كالعادة، حفنة من النقود لا تسد رمق أطفالي.
العجوز:  (تهمس لنفسها) إني أرى الاثنين في عينيك، في الأولى أرى الطيبة وفي الأخرى.. اللهم اجعله خيراً.
الصياد:  أريد ملحاً..
العجوز:  (تجفل) خذ ما تشاء.
الصياد:  (يأخذ حفنة صغيرة) مع السلامة.
العجوز:  (بصوت مسموع) هذا الصياد طيب، ولكني أراه ضحية نفسه الجموحة.
مما يضطرهُ لمُحاورة البحر واستمالته الى جانبهِ من أجل الحصول على صيد وفير يؤهلهِ لسد هذهِ الحاجة وتغيير حالتهِ الى أحسن , ويُصادف وجودهِ على ساحل البحر تواجد شخصان هُما السلطان والوزير اللذان يتنكران في زي التُجار إذ يُحاول السُلطان بهذهِ الطريقة التعرف وعن قُرب على أحوال رعيتهِ , إذ يطلب السُلطان المُتنكر من الصياد صيد أي شيء من البحر ومُبادلتهِ وزنه ذهباً , فيعجب الصياد لهذا العرض وأمام طمعهِ المُتزايد وحاجتهِ الواضحة , يقبل بالعرض فيرمي شباكه في البحر , فتخرج لهُ جُمجمة إنسان ميت كان طماعا جداً , فيندب حظه العاثر , لكن السلطان يُطمئنهُ بأنهُ ما زال عند وعده , فيذهبوا جميعاً لقصر السلطان وهُناك يتم تنفيذ العرض المُقدم من قبل السلطان فيتم احضار ميزان ووضع الجُمجمة في إحدى كفتيه لكن الجُمجمة ذات وزن كبير ويؤتى بالذهب ووزن الجُمجمة في تزايد , فيحتار السلطان في أمرها فيتم عرض مكافأة لمن يحل اللغز , وهُنا يستحضر المؤلف شخصية البحر ويستنطق الجُمجمة التي تُحاول الإيقاع بالصياد الذي بدا طماعاً ولا يقنع برزقهِ القليل ...
الوزير:  (يضع قطعة واثنتين وثلاث وخمس.. الخ على الكفة الأخرى) عجبي.. لا تزال كفة الجمجمة هي الأثقل رغم الذهب الكثير مقابلها.
السلطان:  (يمد يديه نحو الميزان ويقلبه ثم ينظر فيه) عجيب.. الميزان لا خلل فيه!.
الجمجمة:  (وهي تلتهم الذهب بنظراتها الشرهة) الآتي أعجب.
الصياد:  (لنفسه) ما الذي يجري، هذا الذهب يكفيني مدى العمر.. هل أوافق؟
الجمجمة:  انظر إلى عينيّ (يفعل الصياد مسلوب الإرادة) لا توافق.
البحر:  (للصياد) اصح يا صاحبي قبل فوات الأوان.
الوزير:  (بعد أن يكوم الذهب في الكفة الأخرى ولكن دون فائدة) كفة الجمجمة ما زالت في مكانها لم تتزحزح. لابد أن في الأمر سراً.
السلطان:  آتوني بميزان أكبر.
البحر:  (للصياد) أرضى بهذا الذهب.. لا تكن طماعاً.
البحر:  (للصياد المغادر) سأبقى وفياً معك رغم كل شيء، تعال إليّ كل فجر واقنع بما تأخذه من أعماقي القارئ لهذا النص , يجد أن المؤلف قد عَمِدَ الى توظيف الحكاية الشعبية بوصفها جزءاً من موروثاتنا الشعبية وهي راسخة من تفاعل المُجتمع بشكل عام  مع الواقع المُعاش حيث تُعد هذه الحكاية واحدة من أهم الوسائل المُساعدة في تهذيب و صقل شخصية الطفل والفتى على حد سواء ، وبالتالي فإن حكاية هذا الصياد تهدف إلى غرس قيمة تربوية وتعليمية في نفوس الفتيان من أجل اكتمال بناء شخصياتهم مُستقبلاً وبالتالي نحصل على بُناة حقيقيين للبلد , وهُنا يُمكن القول أن " بردى " ومن خلال نصهِ هذا قد ولجَ فناً صعباً , استطاع النجاح فيهِ من خلال حيازتهِ على عُدة كتابية وأسلوبية أنتجت لنا نصاً مسرحياً يُمكن إنجازهِ مُستقبلاً على خشبة المسرح .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram