TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نواب التسويف وصمت القبور: أيها القاتل... أسفِرْ عن وجهك

نواب التسويف وصمت القبور: أيها القاتل... أسفِرْ عن وجهك

نشر في: 1 يوليو, 2013: 10:01 م
لا أعرف محمد عباس ولم التقه يوماً، ولا يجمعني به حبّ كرة القدم. 
ومحمد عباس لا لون سياسياً له، سوى ما أوحى به حبه لوطنه، وهو يتخلى عن نعيم العيش في بلد أوربي ليعود إلى نكد وطنه المبتلى باللصوص والقتلة وأدعياء الورع الزائف، ومغتصبي السلطة باسم الدين والطائفة.
وأزيد على ذلك، ما قد يتبين يوماً، انه كان منتمياً في السابق أو ما زال، إلى رهطٍ من الإسلام السياسي. أو قد يجوز أن شقيقاً له أو شقيقةً أو ابن عمٍ أو صديقاً أثيراً، أو أياً كان من معارفه، تجمعه صلة بحزب الدعوة الحاكم، وزيّنَ له العودة محمولاً على الأمل إلى عراقٍ "يحترم حرمة الإنسان وكرامته".
وهل يهمّ كل ذلك ليكون لموته وقعٌ يخترق الصمت المشبوه من سدنة السلطة وأربابها، ويتحول إلى حاملٍ لغضبٍ شعبي يوقظ ضمائر نوابٍ لم يجدوا في موته مناسبة للبحث عن القاتل ورصد مثالبه المشينة الأخرى، كما في جريمة الحويجة وقبلهما من جرائم جرى التستر عليها باحتراف من أتقن ارتكاب الجرائم وأوغل فيها بعد أن تجرد بلا مبالاة من أي حس إنساني، ومن أي شعور بالمسؤولية إزاء مصائر مواطنيه؟
في كل مرة يرتكب فيها طاغية أو نظام مستبد عبر تاريخنا المظلم، جريمة قتلٍ أو تصفيةٍ، يكون الضحية فيها شهيداً يحمل هوية وطنٍ مغلوبٍ على أمره، يا محمد عباس، يعم الحزن السري في بيوت العراقيين دون ان يبالى أي بيت حزين بهويته، لان قاتله موصوفٌ مكشوفٌ عنه المستور، لا يحفل هو نفسه بإخفاء مسؤوليته، لأنه يريدها عبرةً وإشهاراً لنواياه في الحجر على ضمائر المريدين وإحكام الصمت على العاجزين.
وماذا عن قتلك يا شهيد الشباب..؟ ماذا عن هذا الصمت الذي يغلق محاجر نوابنا وقادة أحزابنا وكتلنا البرلمانية، المعارضين والموالين، وهم لا يرون في الغدر بك مناسبة للغضب والمطالبة دون تهاون بكشف القاتل الحقيقي الذي يقف وراء إزهاق روحك المعذبة، ووراء كل جريمة أسيلت فيها دماء أبناء شعبنا، دون أن يُرفع اللثام عن وجه أدواته الذين يتمادون كل يومٍ، وفي كل موقعة جمل، وعند كل طيرانٍ خفيضٍ فوق ساحات الاحتجاج لإثارة الغبار أو نشر الرعب، ومع كل تمثيل بالمعذَبين في أقبية السجون والمعتقلات؟
لم اشعر بالهوان إزاء ما أحيط بك من صمت وإهمال مجحف، ولا بالعجز عما يمكن أن اعبر عنه من مشاعر، وأنت تبدو متوحداً مع محنتك منطوياً على حزنك، لا على ما أصابك من غدرٍ دنئ بل من شدة هولك على ما يمكن أن تخبئه الأيام لأقرانك من شبيبة العراق الجديد!
في كل مرة واجهت فيها موت عزيز، وما أكثر ما عشت من محن تغييب رفاق درب ونضال، كنت انشج بكاءً صامتاً ملتاعاً، لكن اليقين من يومٍ آتٍ يتحول فيه دم الشهيد وجراح الضحايا إلى "فم"، يبدد عني وحشة الموت الساجي على مسافة لا تسد مشهدها جدران سجون ومعتقلات الطغاة والمستبدين، فماذا عن موتك أيها المسجى أمام أبصارنا، ومشهد القاتل الذي استهوته الغواية، يسخر من غيبوبتنا وأوهامنا من يقظة ضمائر تحجرت مساماتها، وأوهن إرادتها التواطؤ على الصمت..
أيها الشهيد المتوحد،
أيها المفجوع بالخديعة المبتكرة،
بالوهم من تقوى،
أو من ورعٍ زائفٍ تسلل إلى حياتنا، فحوّلها الى وليمةٍ للغدر والخطيئة..
أنني أبكيك وأنا خائر القوى، عاجز كما لم اكن في أي يوم، لأن قاتليك يحملون وشم عارٍ في جبينهم، كأنهم بذلك يكشفون عن الوجه المستور للقاتل الحقيقي..
أيها الصديق الذي لا أعرفه ولم التقه، أتسمح لي ان أبكيك، لعل البكاء يوقظ ضمائر أوهنها السكوت، وإراداتٍ تآكلت بحكم الإذعان والتواطؤ..
سلامٌ عليك يا محمد عباس 
لا عليك، فأحفاد شمر قتلوك في كربلاء...!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram