احتشد المصريون بالملايين في غالبية ميادين البلاد معلنين غضبهم. وكان هذا الغضب قد تراكم عبر عامين ونصف العام منذ إطلاق ثورتهم في 25 يناير سنة 2011 وكانوا أثناء هذه الثورة قد بلوروا أهدافها بصورة عبقرية مكثفه في عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية كرامة إنساني
احتشد المصريون بالملايين في غالبية ميادين البلاد معلنين غضبهم. وكان هذا الغضب قد تراكم عبر عامين ونصف العام منذ إطلاق ثورتهم في 25 يناير سنة 2011 وكانوا أثناء هذه الثورة قد بلوروا أهدافها بصورة عبقرية مكثفه في عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية كرامة إنسانية. وكان أن صعد تيار اليمين الديني لأسباب كثيرة إلى السلطة بعد فترة انتقالية تولتها القوات المسلحة، وقدرت حينها ان جماعة الإخوان المسلمين على نحو خاص هي الجماعة الأكثر تنظيما وعددا من بين القوى السياسية المختلفة فساعدتها القوات المسلحة على تولي حكم البلاد بعد انقضاء الفترة الانتقالية ، فحصل اليمين الديني بكل ظلاله على الأغلبية من الانتخابات النيابية كما صعد الدكتور محمد مرسي إلى الرئاسة ودانت لهم الدنيا بما فيها وما عليها طبقا لوضعهم وأخذوا يطبقون ما أسموه مشروعهم الإسلامي ، هذا المشروع الذي جربه المصريون واحتملوه لمدة عام ثم انفجروا ليقول بركان الغضب لليمين الديني كفاية. ويطالب «مرسي» بالرحيل مثلما سبق ان طالب مبارك فرحل حين دعم الجيش مطلب الشعب.
ويرفض اليمين الديني المقارنة بين أدائه وأداء حكم «مبارك» بعد أن كان قد روج على مدى العامين ونصف العام فكرة تقول انه كان شريكا في الثورة رغم أن طبيعة مشاركته في الثورة ظلت حتى هذه اللحظة غامضة ومحاطة بالأسرار وتلفها الشكوك خاصة حول قناصتهم الذين استهدفوا عيون الثوار.
ويقودنا التحليل الشامل لما يسمي بالمشروع الإسلامي من التطبيق إلى معرفة أعمق بماهية هذا المشروع وركائزه الفكرية والثقافية التي تجعل منه صنواً للفاشية في تجلياتها المختلفة وتجاربها المريرة التي عانت منها البشرية ودفعت شعوب ثمنها ،وأول خصائص الفاشية الدينية الحاكمة الآن هو خوفها من الثقافة ومعاداتها الصريحة للنقدية وهو ما اتضح في تجربتنا حين أتت الحكومة الهزيلة بوزير للثقافة يعادي المثقفين ويقوم بما سماه عملية تطهير في المؤسسات الثقافية بدعوى تطهيرها من الفساد طبقا لادعاءاته إضافة لمنهج السمع والطاعة الذي يريدون فرضه على الشعب المصري بعد أن فرضوه على أعضائهم الذين تحول بعضهم إلى كائنات مشوهة محدودة الأفق.
أما الخاصة الثانية فهي ممارسة الإرهاب الفكري والمادي للمثقفين بهدف عزلهم وإسكات أصواتهم الناقدة، وهو ما اتضح جليا من الغارات التي قام بها انصار اليمين الديني ضد اعتصام المثقفين احتجاجا على ممارسات الوزير ، فضلا عن التكفير كأداة جهنمية طالما أدت ممارستها إلى القتل كما سبق ان حدث لفرج فودة قبل واحد وعشرين عاما حين اتهمه شيوخ بالكفر والارتداد وقام سماك بسيط لا يقرأ ولا يكتب بإطلاق النار عليه وقتله تنفيذاً لفتوى الشيوخ.
وهو ما حدث بعد ذلك مع نجيب محفوظ الذي نجا من القتل بالمصادفة البحتة وكان الشاب الذي اعتدى عليه قد سمع من شيوخ انه كتب رواية أولاد حارتنا وهي رواية تتحدث عن الله وتدعو للكفر في زعمهم.
وإضافة إلى مصادرة النقد وإرهاب الخصوم وتكفيرهم وتشويه سمعتهم وعزلهم عن جماهيرهم وصولاً إلى النفي والقتل يعمل اليمين الديني على إفقار الثقافة وحصرها في مصدر واحد من مصادرها وهو الدين وإقحام الدين في كل من العلم والفلسفة فضلا عن السياسة بما يؤدي إلى إزاحة مبدأ المواطنة الذي تقوم عليه الدولة الحديثة لإحلال الهوية الدينية وكان الهوية الوطنية وتقسيم الشعب بين مؤمنين وكافرين ومسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة إلى آخره من التقسيمات والتصنيفات التي تعود بالمجتمع إلى العصور الوسطى، وبسببها يجري افتعال الفتن الطائفية والدينية لتحويل الصراع الطبقي ضد الاستغلال والاستبداد إلى صراع ديني يستفيد منه التحالف الحاكم وقاعدته الاجتماعية من التجار وكبار الأثرياء بإغراق الطبقات الشعبية التي يجري استغلالها وإفقارها واستلاب حرياتها في بحور الصراعات الطائفية ، ولنا مما حدث مؤخرا من أبو النمرس من قتل وحشي لمواطنين شيعة أبرز مثال على هذا التوجه البغيض والمخطط له جيدا من قبل اليمين الديني والفاشية الحاكمة.
ومن حسن حظ الشعب المصري أن تكاتفت عوامل كثيرة لإنضاج وعيه بهشاشة وإجرامية مشروع اليمين الديني الذي فجر بركان الغضب بالصورة الرائعة التي تجسدت في هذه الحشود بالملايين التي لم ترفع سوى علم مصر معلنةً عن تشبثها بمبدأ المواطنة وبأهداف الثورة التي سرقها اليمين الديني ، وهكذا يتفجر بركان الغضب معلناً بدء الموجة الجديدة من الثورة بعد أن تعلم المصريون من أصحاب المصلحة من استمرارها دروس الموجة الأولى منها بالدماء التي دفعها الشباب من شهداء ومصابين فيها ومن الآمال التي علقها العمال والفلاحون والموظفون والطبقة الوسطى عليها ثم سرعان ما أجهضها حكم الإخوان المسلمين الذي هو حكم الثورة المضادة بالتمام والكمال ،إذ لم تنطلِ كذبتهم على الشعب حين قالوا إنهم ثوار.
وأياً كانت النتائج التي ستسفر عنها هذه الأيام المجيدة فإن براكين الغضب ستواصل الانفجار يغذّيها هذا الخيال العبقري لشعب عظيم ينحني له العالم دهشةً وإجلالا .