لم يتوقف كثيرون من السياسيين والمهتمين بالشأن العام والمواطنين أمام حقيقة أن «جماعة الإخوان» كانت آخر من انضم لثوار 25 يناير 2011 في الميدان وأول من ترك الميدان، وراهن كثيرون على مرشح الجماعة لرئاسة الجمهورية بعد أن خدمته الظروف وحولته من
لم يتوقف كثيرون من السياسيين والمهتمين بالشأن العام والمواطنين أمام حقيقة أن «جماعة الإخوان» كانت آخر من انضم لثوار 25 يناير 2011 في الميدان وأول من ترك الميدان، وراهن كثيرون على مرشح الجماعة لرئاسة الجمهورية بعد أن خدمته الظروف وحولته من مرشح احتياطي «استبن» إلى المرشح الرئيسي للجماعة وتيار الإسلام السياسي، ليكون الرئيس الذي يحقق أهداف الثورة التي تلخصت في شعارها المعروف «عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية».
اليوم وبعد عام من حكم «د. محمد مرسي» (من 30 يونيو 2012 إلى 29 يونيو 2013) يتأكد خطأ هذا الرهان، ويشعر ملايين ممن منحوا صوتهم له في انتخابات الرئاسة بالندم، بينما يعبر بعض من منحوا أصواتهم لمنافسه «الفريق أحمد شفيق» عن رضاهم عن عدم فوز مرشحهم على أساس أنه لو فاز «لما كانت هناك فرصة ليعرف الشعب المصري حقيقة جماعة الإخوان وأنهم لا يحملون رسالة الدين الإسلامي الحنيف وقيمه الأخلاقية العليا «وليس لهم مطامع في سلطة أو مكسب شخصي» وإنما هم مجرد جماعة سياسية حزبية تستخدم الدين كغطاء لخداع البسطاء والصعود على أكتافهم، وأن برنامجهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو استمرار لبرنامج الحزب الوطني الذي جرى تطبيقه منذ عام 1974 - بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية تحت اسم «التثبيت والتكيف الهيكلي» - وأدى إلى تراجع التنمية وانخفاض مستوى معيشة الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وازدياد الفساد والتمايز الطبقي، وكان أحد أبرز أسباب ثورة 25 يناير.. بل والأخطر من ذلك حرصهم على تفكيك وهدم الدولة الوطنية المدنية التي ناضل الشعب المصري لتأسيسها خلال عقدين كاملين، ليقيموا دولتهم «دولة المرشد».
أسوأ عام
خلال هذا العام المنصرم، الذي يعتبره البعض أسوأ عام في تاريخ مصر الحديث، فشل مرسي وحكومته في تنفيذ برنامج المئة يوم الذي وعد الناخبين به وفي حل مشاكل الأمن والخبز والمرور والوقود والنظافة، كما شهد هذا العام العديد من الإخفاقات، منها «أزمات المياه مع إثيوبيا، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه، وغلاء الأسعار، والانفلات الأمني، والعفو الشامل عن بعض المسجونين الأمنيين وإفراجه عنهم مما تسبب في عودة القلق والتوتر الأمني إلى سيناء.. وتمكين جماعة الإخوان من الحكم وانفراد الرئيس بالقرارات وإصداره لإعلانات دستورية متوالية، والسيطرة على مفاصل الدولة بتعيين أتباعه من أعضاء جماعة الإخوان وحلفائهم في المناصب المختلفة، إضافة إلى التراجع في قراراته التي أصابت هيبة مؤسسة الرئاسة».
ويمكن أن نلخص أبرز سلبيات حكم مرسي ومكتب الإرشاد خلال عام في ما يأتي:
> تعرض سيناء لتوترات وفوضى أمنية لم تشهدها منذ تحريرها وعودتها للوطن وانتهاء الاحتلال الإسرائيلي، أي منذ 22 عاما، فقد «شهدت شبه جزيرة سيناء خلال العام الأول من حكم الإخوان والرئيس د. محمد مرسي حادث الهجوم على كمين للجيش المصري في رفح الذي استشهد فيه 16 جنديا وضابطا مصريا غير المصابين.. والاعتداء المستمر على كمائن الجيش والشرطة وحرس الحدود.. ومقتل مفتش الداخلية الذي جاء خصيصا للتحقيق في قتل ضباط الشرطة بمجرد وصوله من القاهرة.. وحادثة خطف الجنود السبعة الذي استمر لمدة أسبوع وتمت معالجته بأسلوب خاطئ وعقد صفقة مع الخاطفين بعدم ملاحقتهم أمنيا، واغتيال ضابط الشرطة من مكتب جهاز الأمن الوطني المسؤول عن مكافحة الإرهاب «محمد أبو شقرة».. والاعتداء على الأسر القبطية وإطلاق نيران على محالهم ومنازلهم وتهديدهم وتهجير 9 عائلات من رفح إلى العريش.. وحادث الهجوم على قوات حفظ السلام وإنزال علم الأمم المتحدة ورفع علم تنظيم القاعدة، ومقتل أحد الجنود وإصابة 7 جنود وضابط.. وإصابة 3 جنود شرطة و3 مدنيين، لتبلغ حصيلة هذه العمليات استشهاد 17 ضابطا وجنديا وإصابة 10 آخرين و3 مدنيين.. ومقتل الشيخ «خلف العليمي» ونجليه وكذلك الشيخ نايف.. وعمليات الهجوم المتكرر على كمائن الجيش والشرطة في سيناء وخطف رجال الأعمال وطلب الفدية وخطف وسرقة سيارات.. ومهاجمة سيارات البنوك والبريد لسرقة الأموال في قلب العريش في منتصف النهار.. والإهمال الذي أدى لانقلاب سيارة أمن مركزي وسط سيناء ومصرع 31 مجندا وإصابة 27 آخرين، حيث تم حشر 48 مجندا في سيارة واحدة تحولت إلى ما يشبه علبة السردين..»
> ترصّد جهاز الشرطة مما أدى إلى تجاوز شهداء الشرطة إلى أكثر من 200 شهيد.
> استسهال القبض والاعتقال للنشطاء السياسيين من الشباب خاصة، وتعرض عديد منهم للتعذيب.. فطبقا لـ «لجنة الدفاع عن متظاهري مصر» فقد تم اعتقال 2500 مصري منذ الذكرى الثانية لثورة 25 يناير «أي منذ 25 يناير 2013» في محافظات القاهرة والإسكندرية والمنصورة وبورسعيد وطنطا وكفر الشيخ والإسماعيلية والسويس، وتعرض عدد كبير منهم لانتهاكات متعددة وللتعذيب.
اعتقال وتعذيب
ورصد تقرير «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» الصادر منذ أيام بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، إلقاء القبض على 3462 مواطنا على خلفية قيامهم بنشاط سياسي معارض للحكم، مثل اعتقالات ذكرى ثورة يناير وأحداث الاتحادية، كما تعرض المقبوض عليهم للتعذيب، ويؤكد التقرير السنوي لـ «مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا التعذيب» أن التعذيب مازال منهجا وسياسة يحكم بها نظام الإخوان ود. محمد مرسي، مثلما حكم بها المجلس العسكري ومبارك من قبله، ويسجل أن حالات التعذيب خلال 11 شهرا من حكم مرسى بلغت 359 حالة، إضافة إلى 217 حالة قتل بحسب الائتلاف المصري لحقوق الطفل، فتم القبض على 383 طفلا منذ 25 يناير 2013حتي أحداث مكتب الإرشاد في 16 مارس الماضي.
> استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة غير مسبوقة، فطبقاً لمركز المصريين للدراسات السياسية الاقتصادية، استمر الانخفاض في قيمة الجنيه المصري وزيادة معدلات التضخم، الأمر الذي أدى إلى حدوث ارتفاع في السلع والخدمات «فقد انخفضت قيمة الجنيه المصري ليصبح الدولار الواحد يساوي 7 جنيهات، وانخفض معدل النمو الاقتصادي لأقل من 5.2%.. وبلغ معدل الاستثمار في مصر خلال العامين 2011 و2012 (16%) من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض في النصف الأول من عام 2013 إلى 11%، حيث كان الاستثمار الأجنبي المباشر في (2007 - 2008) 13 مليار دولار أمريكي، وانخفض إلى (2) مليار دولار أمريكي في 2011 - 2012 ثم هبط إلى 180 مليون دولار أمريكي في الربع الأول من العام الحالي، وهي سابقة أولى من نوعها ،حيث يجب أن تتراوح الاستثمارات ما بين 20% و30% من الناتج المحلي الإجمالي من أجل الوصول للتنمية المستدامة ومعدل نمو عال»، وفرض نظام د. محمد مرسي وحكومته ضرائب غير مباشرة على السلع الاستهلاكية أدت إلى انخفاض في الأداء الاقتصادي ومعدل النمو وتراجع الاستهلاك والاستثمار، وبينما كان الدين الخارجي المصري الموروث من حكم الرئيس السابق حسني مبارك 33 مليار دولار تقريبا، أي في الحدود الآمنة كنسبة من الناتج المحلي، ارتفع بعد عامين من رحيله ليصل إلى 43 مليارا في مارس 2013 بزيادة قدرها 10 مليارات دولار.
مشروعان فاشلان
ولم يجد النظام إنجازات حقيقية يتحدث عنها فطرح مشروعين فاشلين هما مشروع الصكوك وإقليم قناة السويس، وأعاد الرئيس فتح مشاريع سبق أن افتتحت في حكم الرئيس السابق ،مثل مشروع الإسكان بسوهاج الذي افتتح عام 2005 ومشروع الستيرين والبولي ستيرين الذي افتتحه وزير البترول السابق سامح فهمي وأعاد مرسي افتتاحه!
وهذه الإنجازات السلبية وغيرها كافية لتطيح بأي رئيس.. ولكن الأيام الماضية أضافت إليها أمرا يقطع بعدم صلاحية الرئيس د. محمد مرسي للاستمرار في حكم البلاد.
فقررت محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية التي كانت تنظر قضية اقتحام سجن وادي النطرون مطالبة النيابة العامة بمخاطبة الإنتربول للقبض على4 من حركة حماس وحزب الله والقاعدة لقيامهم مع أعضاء من جماعة الإخوان باقتحام السجون المصرية، والتحقيق مع د. محمد مرسي و33 آخرين من جماعة الإخوان الذين كانوا نزلاء في سجن وادي النطرون بتهم التخابر والإرهاب وقتل 13 سجينا والاعتداء على قوات الشرطة وسرقة أسلحة وذخائر.
ولم يكن غريبا في ظل هذه الحقائق أن تجمع قيادات وشخصيات سياسية - بعضها ظل حتى اللحظة الأخيرة يشارك في حوارات الرئيس - وكذلك الصحافة العالمية على عدم صلاحية د. محمد مرسي للاستمرار في حكم مصر.
بطلان بالجملة
يقول عمرو حمزاوي: «إن حصاد الرئيس المنتخب بعد عام هو دستور غير ديمقراطي وقوانين جائرة ومجلس شورى باطل وحكومة غير فعالة ومحافظون إخوان وآخرون من جماعات عنف أخرى ومجتمع منقسم واقتتال أهلي ودولة معطلة وأخونة تتصاعد وفاشية تغزو كل الجنبات وتكفير للمعارضين ومذهبية مقيتة». وقالت الابكونومست البريطانية.. «إن مرسي تبنى نبرة طائفية واضحة.. وربما لا يكون 30 يونيو يومه الأخير في السلطة، لكنه سيكون بداية صيف حار جدا على الرئيس المصري».
وكتب «جوزيف رايت» في صحيفة الواشنطن بوست يقول «يواجه الرئيس مرسي أيضا خيبة أمل متنامية من الربع غير المتوقع.. ألا وهم الإسلاميون الذين صوتوا من أجله».
وفي حوار أجرته شبكة «سي. إن. إن» الأمريكية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوما حادا وساخرا على د. محمد مرسي قائلا: «لقد طاردني الرئيس المصري بإصرار من أوروبا إلى جنوب أفريقيا حتى استطاع أن يلتقي معي في مدينة صغيرة في روسيا.. وهذا النوع من الرؤساء لا يعيش طويلا، ويرحل دائما بعد مأساة». وفي مفاجأة من العيار الثقيل قرر د. محمد مرسي أن يقدم للشعب المصري كشف حساب عن عامه الأول في حكم مصر، فألقى بدءا من مساء الأربعاء الماضي وحتى الساعة الأولى من يوم الخميس خطابا مطولا استغرق ساعتين و25 دقيقة، ليتحول د. محمد مرسي بعد هذا الخطاب من رئيس محكوم عليه بالرحيل عن منصبه إلى رئيس مطلوب محاكمته على جرائم قذف وسب و«إهانة» وتشهير، فالخطاب في النهاية متخم بالبيانات والمعلومات الخاطئة والمغلوطة بل والكاذبة، وبسلسلة من الاتهامات التي لا دليل عليها التي تنتهك استقلال القضاء وتلومه على أحكام البراءة في قضايا تخص أعوان الرئيس السابق حسني مبارك، وهو الأمر الذي وصفه المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة بأنه «إثم في الدين» و«جريمة في القانون» وأخرى تنتهك حرية الصحافة والإعلام، ثم التورط في اتهام قاض جليل هو المستشار «أحمد محمد علي النمر» بأنه «قاض مزور» لأنه كان مشرفا على الانتخابات النيابية في الدائرة التي سقط فيها مرسي عام 2005، واتهامات أخرى لمكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق لأربع دورات (1989 - 1991، 1991 - 1993، 2007 - 2009، 2009 - 2011)، ولنائبين سابقين عن الشعب هما ممدوح فودة ومجدي عاشور باستئجار البلطجية، ولمالكي قناتي «سي بي سي» و«دريم» محمد الأمين وأحمد بهجت بالتهرب من الضرائب واستخدام القنوات الفضائية المملوكة لهما لتصفية حسابات شخصية.
رسائل فارغة
ولا يوجد في الخطاب بخلاف هذه الجرائم إلا كلام إنشائي طويل وغير مفهوم وتكليفات سبعة و11 رسالة موجهة للشعب والقوات المسلحة والداخلية والقضاء والمعارضة والإعلام وبقايا النظام السابق والمتظاهرين وللكل وللشباب وللشعب، وجميعا بلا معنى وبلا أي مضمون.
أما كشف الحساب الحقيقي لعام من حكم د. محمد مرسي ومكتب الإرشاد، فهو ما نقدمه في هذا التحقيق على لسان 15 من الشخصيات العامة وقادة أحزاب الوفد والتجمع والوسط والجبهة الديمقراطية والشيوعي والتحالف الشعبي الاشتراكي والكرامة والاشتراكي المصري والمصريين الأحرار.. طرحنا عليهم سبعة أسئلة هي:
* بعد عام من حكم د. محمد مرسي وجماعته.. هل اقتربنا من تحقيق شعارات ثورة 25 يناير 2011 «عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية»، أم بعدنا عنها؟
* هل صحيح أن السياسات الاقتصادية المتبعة هي نفس سياسات الحزب الوطني المطبقة في مصر منذ عام 1974 ولكن بغطاء ديني، وهو ما تكشف عنه الموازنة والانحياز الاجتماعي وقانون الضرائب والصكوك.. إلخ أم أن هناك تغييرا في هذه السياسات يؤدي إلى تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية كما يقول الحكم؟
* الممارسات السياسية والدستورية والقانونية التي أقدم عليها د. محمد مرسي وقبل ذلك المجالس التشريعية التي هيمن عليها حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه، بدءا من إلغاء الإعلان الدستوري المكمل والجمعية التأسيسية التي صاغت الدستور، والاستفتاء عليه، والصدام مع السلطة القضائية والمحكمة الدستورية.. هل تقربنا من الديمقراطية وضمان الحريات العامة والخاصة ومبادئ حقوق الإنسان.. أم العكس هو الصحيح؟!
* ما هو تقييمك لدور المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ نزول القوات المسلحة للشارع في 28 يناير 2011 وخلال المرحلة الانتقالية.. وهل كان انضماما للثورة أم للمحافظة على النظام القائم؟
* ما هي مسؤولية د. محمد مرسي وجماعته في تقسيم المجتمع المصري إلى قسمين متواجهين لا يوجد بينهما هدف مشترك ولا إمكانية للتواصل؟ أم أن هذا الانقسام طبيعي في ظل المراحل الانتقالية عقب الثورات؟
* هل هناك تغيير في سياسات مصر الإقليمية والدولية في ظل حكم جماعة الإخوان ورئاسة د. محمد مرسي، وبصفة خاصة سياسات التحالف والتبعية للولايات المتحدة وإسرائيل، والعلاقات العربية والأفريقية؟