أكدت تداعيات أحداث المشهد المصري الصاخبة أن "المفاتيح" التي حكمت التطورات هي التغيير الذي أحدثته الثورة قبل عامين على تركيبة الشخصية المصرية من استسلام و قبول الأمر الواقع.. ثم- وهنا مربط الفرس- رسائل هامة بعثت بها مؤسسة الجيش الى الشعب خلال الأشهر ا
أكدت تداعيات أحداث المشهد المصري الصاخبة أن "المفاتيح" التي حكمت التطورات هي التغيير الذي أحدثته الثورة قبل عامين على تركيبة الشخصية المصرية من استسلام و قبول الأمر الواقع.. ثم- وهنا مربط الفرس- رسائل هامة بعثت بها مؤسسة الجيش الى الشعب خلال الأشهر الماضية مع تفاقُم الغضب الشعبي الرافض لحكم جماعة الإخوان وازدياد المطالبة بتدخل الجيش و هي باختصار( لا تطلبوا منا المبادرة ..نحن لسنا طُلاّب سلطة ..بادروا في التعبير عن إرادتكم و نحن سننحاز لها و نعمل على تنفيذها).. و هو ما بدا واضحا في اول بيان صادر عن الجيش بعد اندلاع الموجة الثانية من الثورة التي عمّت كل شوارع و ميادين مصر - بكثافة فاقت ما شهدته منذ عامين- تطالب برحيل جماعة الإخوان و موظفها في الرئاسة محمد مرسي.. البيان الذي منح "جميع الأطراف" – و هي صياغة مهذبة تعود على النظام الحاكم- مهلة 48 ساعة للاستجابة الى المطالب الشعبية و الاّ ستتدخل القوات المسلحة وتعلن عن خريطة مستقبل و إجراءات تشرف على تنفيذها, اشعل فرح الشارع المصري المحتشد بالمتظاهرين , يطرح عدة "سيناريوهات" مستقبلية لا يخلو بعضها من إرهاصات تاريخية على العلاقة المتوترة التي سادت بين الجيش و الجماعة.. فقد انطلقت خطابات التهديد و الهجوم على الجيش من منصة محيط مسجد رابعة العدوية حيث يحتشد عشرات الآلاف من التيارات الإسلامية –على راسها جماعة الإخوان- ما يدفع الى مزيد من تصاعد العداء -الموجود اصلا- بين الطرفين.. الجيش لا ينسى ان النظام الإخواني الحاكم وقف حائلا بينه و بين اداء دوره في حماية أمن مصر القومي و فرض الأمن تحديدا في شبه جزيرة سيناء بعد تحولها الى مركز للتنظيمات الجهادية المسلحة.. لا ينسى ان نفس النظام "يغض النظر" منذ عام عن كشف الإرهابيين المتهمين بقتل 16 ضابط و جندي على المنطقة الحدودية في رفح ..و لا ينسى الطريقة المهينة التي أطاح بها مرسي بالقائد العام للقوات المسلحة المشير محمد طنطاوي و نائبه الفريق سامي عنان .
البيان الرئاسي الصادر عن الرئاسة التي غلبت على صياغته الباهتة رفض بيان الجيش و هو مطابق لرد فعل الجماعة و التيارات الإسلامية التابعة لها, يُنذِر بنوايا هذه الجماعات الدخول في مواجهة مع الجيش.. و هو ما توقعته تحليلات العديد من كبار الساسة مثل هنري كسنجر- وزير خارجية أميركا سابقا- عن توقع حدوث صدام بين الجيش و الإخوان.. لكن الشارع المصري ادرك ان الإخوان و الأحزاب الهامشية المنبثقة عنه هم في اغلب تهديداتهم مجرد "ظاهرة صوتية".. يُهددون بسياسة "الأرض المحروقة" دون امتلاك القدرة الفعلية على إشعالها.. من المتوقع قيامهم بأحداث عنف محدودة في أماكن متفرقة .. اعتداءات على المتظاهرين , هجوم مسلح على تجمعات شباب المعارضة.. لكن المؤكد ان الجيش لن يقف ساكتا امام محاولات استفزازه او ارتكاب اي مظهر عنف ضده.. و في ميزان القوة حتما ستكون له الكلمة العليا .
اهم الظواهر التي تستحق الرصد في المشهد الحالي ,التحول التاريخي في موقف جهاز الشرطة لتتبنى دور حضاري في الانحياز الى الشعب و ممارسة دور الحامي لرغباته و أمنه بدلا من كونها جهاز قمعي في يد الجالسين على كراسي الحكم ..التحمت الشرطة بكتل المعارضة الشعبية و بدأت ممارسة دورها يوميا في ضبط العناصر الإخوانية المسلحة التي تهدف الى مهاجمة الثورة السلمية كما اعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم خلال لقاءاته العاصفة مع مرسي انه لا يقبل الوقوف ضد الإرادة العامة لضباط و جنود الجهاز الأمني الذي يترأسه و الرافض للدخول في مواجهة و عداء مع الشارع المصري.
الظاهرة الأخرى ان الشارع و الحركات المدنية الشعبية التي توحدت في كتلة "ائتلاف 30 حزيران"- و على رأسها حركة تمرد- هي التي تصدرت موقع القيادة بدلا من أحزاب المعارضة التي رحبت باحتضان هذه الحركات و إرادتها.. كما بدأت خطوات العصيان المدني التي اعلن عنها مسبقا ائتلاف قوى المعارضة .. حيث أغلقت الوزارات التي شهدت موجة استقالات جماعية , كما اغلق مجمع التحرير الذي يعتبر العصب الرئيسي لمؤسسات الدولة .. بالإضافة الى كل خطوات التصعيد السلمي .. تجمعت قيادات احزاب المعارضة في موقف موحد تفاديا لكل الأخطاء التي ارتكبت منذ عامين و أدت الى تداعيات جردت الثورة من روحها و مطالبها و أدخلتها في متاهات خطوات مغلوطة أفرغت العملية السياسية من دورها .
مواقف "استعراض عضلات القوة" و تلويح التيارات الإسلامية بممارسة الإرهاب و العنف حتما لن تكون في صالحه .. إذ مهما بلغت درجة الغباء السياسي التي أظهرتها جماعة مارست العمل السياسي في الخفاء على مدى 80 عاماً.. فلما حققت حلمها بالوصول الى الحكم, اشغلها النهم و الاستحواذ على السلطة عن ممارسة دورها السياسي و أضاعت ما حققته من شعبية على مدى عشرات السنين خلال عام واحد .
مستجدات الأحداث في المشهد المصري تتسارع كل ساعة ,المؤكد ان لن يكون من بينها اي مبادرة تضمن بقاء جماعة الإخوان و حزبها "الحرية و العدالة" في مشهد الصدارة .. فالمطالب الأساسية التي بنت عليها المعارضة خطة ما بعد الثورة, انتخابات رئاسية مبكرة , رحيل مرسي و جماعته , تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بمشاركة مجلس رئاسي من شخصيات سياسية متفق عليها بمهام الرئاسة لفترة محدودة تتم خلالها خطوات العملية السياسية , تعطيل العمل بالدستور المُعيب الذي تم فرضه من عناصر إخوانية, حل مجلس الشورى بعد استقالة كتلة نواب التيار المدني منه..
أخيرا.. تتزايد كل ساعة أعداد المغادرين من سفينة الإخوان الغارقة.. و أدار الرئيس أوباما و أدارته ظهورهم للتوسلات الإخوانية.. أميركا قد تمنح الفرصة لمن يضمن مصالحها لكنها عبر تاريخها لم تمد يدها للفاشلين .
لينا مظلوم-كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة