"الجيش هو صاحب اليد العليا والقول الفصل إذا احتدت الأزمات" هذه هي وجهة النظر القابعة في أذهان الكثيرين من أبناء الشعب المصري، خاصة بعدما طل علينا المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤخرا، موجها بيانا مفاداه أنه لن يكون طرفا في الصراع السياسي يوما، وم
"الجيش هو صاحب اليد العليا والقول الفصل إذا احتدت الأزمات" هذه هي وجهة النظر القابعة في أذهان الكثيرين من أبناء الشعب المصري، خاصة بعدما طل علينا المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤخرا، موجها بيانا مفاداه أنه لن يكون طرفا في الصراع السياسي يوما، ومتمسكا بدوره الطبيعي في الدفاع عن البلاد ضد أي عدوان خارجي، ولكن هذا لم يمنعه من التدخل لحماية مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير المشروعة، وبناء عليه فهو يمهل مؤسسة الرئاسة مدة زمنية قدرها 48 ساعة للخروج من الأزمة الحالية، بعدما أمهلها فترة سابقة مدتها أسبوع، لاتخاذ خطوات جادة، ولكن دون جدوى.
النبرة الحادة التي رآها البعض فى بيان الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، تم تفسيرها على أنها خروج صريح وواضح عن سيطرة مؤسسة الرئاسة، على الرغم من تأكيدات الرئيس الدكتور محمد مرسي الدائمة أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، خاصة بعد صدور بيان عن مؤسسة الرئاسة، أكد أن كلمة الفريق السيسي تلك لم تتم فيها مشاورة مؤسسة الرئاسة، وبالتالي فالتطورات الكثيرة التي تقودها المؤسسة العسكرية يوما بعد يوم منذ اندلاع الشرارة الأولى لثورة يناير وحتى وقتنا هذا، سلطت الضوء على علاقة الطرفين ببعضهما البعض والفترات التي شهدت توترا فيها.
1952 بداية علاقة الرئاسة بالمؤسسة العسكرية
في يوليو 1952، كان للمؤسسة العسكرية ممثلة في الضباط الأحرار آنذاك دور كبير في قلب موازين القوى في مصر، وتحويل نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري ووضع كافة القوانين والتشريعات التي تضمن حماية أهداف ثورة يوليو، مع الاستعداد للإطاحة بكل من يمثل خطرا عليها، بعدما جاءت كلمات الملك فاروق التاريخية لتنهى الحقبة الملكية تماما، وتستجيب للجيش عندما قال "إن الجيش ليس ملكيا وإنما هو ملك مصر، ومصر وطني، وإذا كان الجيش قد رأى أن في نزولي عن العرش ما يُحقق لمصر الخير، فإني أتمنى لها هذا"، ومن هنا كانت بداية دخول العسكر في عالم السياسة، وتولى إدارة شؤون البلاد، وكان طبيعيا أن يأتي رؤساء مصر طوال السنوات التالية من داخل المؤسسة العسكرية، ولكن الظهور الواضح للجيش وسيطرته على مفاصل الدولة تراجعت أشكاله تدريجيا بداية من 1962 إلى 1967 عندما ابتعد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن مراقبة المؤسسة العسكرية.
وبدءا من 1967 وحتى 1973 تحدد شكل جديد للعلاقة بدأه عبد الناصر بعد النكسة، واستكمله الرئيس الراحل أنور السادات، عندما وضع إطارا لعلاقة جديدة بين مؤسسة الرئاسة ونظيرتها العسكرية، وتمت إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وكان إبعاد السادات للمؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي مقابل تقديم امتيازات اقتصادية، والسماح لأفرادها ببعض المناصب السيادية، واستمرت سياسة الإبعاد تلك في رغبة الأول أيضا لتبديد المشروع الاشتراكي لناصر، والاستعانة برجال خارج المؤسسة العسكرية لبناء التصور الاقتصادي الرأسمالي الجديد، وانتهج نظام مبارك من بعدهم نفس السياسة حتى انسحب الجيش كاملا عن عالم السياسة في عهده.
بعد ذلك ظلت علاقة مؤسسة الرئاسة بنظيرتها العسكرية تسير في خطين متوازيين، حتى اندلعت الشرارة الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير، وتسارعت الأحداث بشكل لا يمكن السيطرة عليه من قبل القوات الأمنية، وكثر الحديث عن مطالبة الجيش بالتدخل لحماية النظام، ولكنه أبى وتمسك بموقفه في الدفاع عن مطالب الشعب المصري فى إسقاط الأول، هنا جاء الخروج الواضح والصريح عن مؤسسة الرئاسة، على الرغم من أن الرئيس وقتها "حسنى مبارك" كان من داخلها والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
الشعب في هذه اللحظة وقف منبهرا بموقف الجيش، وأخذ يدخل في مقارنة بينه وبين جيوش الأنظمة العربية الأخرى، التي تزامنت ثورات شعوبها للمطالبة بإسقاطها مع ثورتنا، ولكنها خذلتهم، وكانت حاميا للنظام الديكتاتوري المستبد، بينما حدث العكس تماما مع المؤسسة العسكرية المصرية، وعادت للحكم من جديد، وكتبت فصلا جديدا في علاقتها بعالم السياسة بعدما حملت على عاتقها مسؤولية إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية لم تسلم فيها من الإشادة والنقد.
من 11 فبراير 2011 وحتى 30 يونيو 2012، قدمت المؤسسة العسكرية دورا استثنائيا خارج عن مهامها حتى جاء قرار الرئيس الدكتور محمد مرسي بإحالة المشير ورئيس الأركان للتقاعد في أغسطس من العام نفسه، خلال فترة تولى المجلس العسكري المسؤولية السياسية فى البلاد، لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية واختيار رئيس مدنى يغلق صفحات كتاب الحكم العسكر لمصر، طالت المؤسسة العسكرية انتقادات كثيرة أولها قلة الخبرة السياسية لرجالها، واختلاف الشرائح والتركيبة العمرية تماما عن الفترة التي قادت المؤسسة نفسها زمام الأمور بداية من خمسينات القرن الماضي، كل هذا أضعف من قدرة هؤلاء الرجال في التعامل مع الأزمات السياسية الداخلية التي تشتعل بين الحين والآخر بسبب ابتعادهم فترة عن الشأن الداخلي والاكتفاء بحماية حدود البلاد.
ولذلك جاء دور المؤسسة العسكرية طوال العام ونصف مجرد مستمع ووسيط بين كافة القوى السياسية المتصارعة، محتفظة بنبرتها في التهديد والوعيد لكل من يحاول المساس بأمن الوطن أو زعزعة استقراره، ولكن هذا لم يمنع البعض من توجيه اللوم والعتاب للجيش؛ لأنه لم يتخذ موقفا حاسما لحل الأزمات، وتهاون في أهداف الثورة وأولها القصاص للشهداء، وبالتالي أدار المجلس العسكري أوضاع البلاد من خلال ردود الأفعال، خاصة بعدما تفنن النظام البائد في استبعاد أصحاب الرؤى السياسية، وشاب أيضا تلك الفترة جدل كبير حول تجديد الدماء داخل المؤسسة ووضعها في الدستور الجديد، ولكن كل هذا لم يشغل بال قادتها الذين كثفوا جهودهم لتخطى المرحلة وتسليم السلطة إلى رئيس مدنى يختاره الشعب.
حزيران 2013 الجيش يخرج عن السلطة للمرة الثالثة على التوالي
خروج المؤسسة العسكرية الأول كما أشرنا كان في العهد الملكي، والثاني فى آخر أيام الرئيس السابق حسنى مبارك عندما رفض الأول حماية النظام، ووقف في صف مطالب الشعب، أما الخروج الثالث فكان مع بيان الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، الذى أمهل فيه النظام فترة زمنية لا تتجاوز 48 ساعة للخروج من الأزمة، وإلا سيقوم بنفسه بوضع خارطة طريق للمرحلة المستقبلية يتشارك فيها كافة الأطياف والقوى السياسية، وعلى رأسهم شباب الثورة.
هذا البيان رآه البعض خروجا صريحا عن مؤسسة الرئاسة التي أكدت في بيان لها بعد ذلك انه أذيع دون التشاور معها أو الرجوع اليها، وذلك على الرغم من تأكيدات الرئيس محمد مرسي في أكثر من مرة، على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوله صراحة في كلمته الموجهة للشعب قبل 30 يونيو، احتفالا بمرور عام على حكمه بأن الجيش ليس منوطا بالحياة السياسية، وأن ما يعنيه حماية الأمن القومي للبلاد في رسالة خفية لكل من يتحسس تدخل الجيش وإعادته للسلطة.
ولكن قرار المؤسسة العسكرية الأخير بالتدخل لحماية مطالب الشعب بعيدا عن قفزه على السلطة او وصوله للحكم سبقه إشارات كثيرة حددت شكل العلاقة بيت المؤسستين خلال فترة الرئيس محمد مرسي، ويتضح ذلك فى الشهور الأخيرة التي بدأ فيها بعض المواطنين في حركات فردية منهم جمع توكيلات لتفويض السيسي لإدارة شئون البلاد بعدما سئموا من سياسة النظام الحالي الذى جعلهم يتناسون هتاف "يسقط حكم العسكر" ويطالبون بعودته من جديد، وخلال تلك الفترة عاد الحديث عن دور الجيش في أحداث ثورة يناير بعدما تم تداول تقرير حول ممارسات الأول وتم نشره دوليا، هنا ردت بعض القوى واتهمت النظام الحالي بتعمد تشويه صورة الجيش بعدما تشوق الشعب له من جديد. هنا كشرت المؤسسة العسكرية عن أنيابها، وخرجت برد واضح وصريح يفيد أنها وقفت منذ بداية الثورة بجانب الشعب، وأنها لن تقبل بتشويه صورتها، خاصة أن الحديث عن هذا التقرير تزامن مع الشائعات التي تم ترويجها بإقالة السيسي من منصبه، وهنا انتفض كثيرون مؤكدين أن الشارع المصري لن يسكت إذا قام الرئيس محمد مرسي بعزل السيسي أو رئيس أركان حرب الجيش صدقي صبحى.
وأخيرا جاء بيان السيسي تعليقا على أحداث 30 يونيو عندما خرجت الجماهير الغاضبة في مختلف الميادين تطالب برحيل النظام الحالي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرا، ليرسم سيناريو جديد في العلاقة بين الطرفين ودور المؤسسة العسكرية سياسيا من جديد، بعدما اكتفى الجيش بعد وصول الرئيس محمد مرسي للرئاسة بممارسة دوره الطبيعي والابتعاد عن السياسة مقابل عدم تدخل الأولى فى شئون الداخلية، وهنا انقسم الشارع حول الخطاب فمنهم من رأى أنه الملاذ الآمن لهم والمخلص، ولا يجوز ترديد هتافات مطالبة بسقوطه كما حدث من قبل، وآخرون يرون أن الخطاب كان منحازا للشرعية، وتحذيرا لمعارضي مرسى من افتعال العنف، بينما رأى طرف ثالث أن كلمة السيسي لا توضح صراحة إن كانت تصب فى صالح الشرعية أم مطالب الشعب فى 30 يونيو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
موقع اليوم السابع