نوقشت في كلية الفنون الجميلة الأطروحة الموسومة (التحولات الدلالية لجيل ما بعد الواقعية في (السينما الإيطالية) حصل فيها الناقد السينمائي فراس الشاروط على درجة الدكتوراه بدرجة جيد جدا.وجاء في الأطروحة:التحولات التاريخية في الحياة الإي
نوقشت في كلية الفنون الجميلة الأطروحة الموسومة (التحولات الدلالية لجيل ما بعد الواقعية في (السينما الإيطالية) حصل فيها الناقد السينمائي فراس الشاروط على درجة الدكتوراه بدرجة جيد جدا.
وجاء في الأطروحة:
التحولات التاريخية في الحياة الإيطالية كانت تؤشر لدلالات مختلفة في الواقع السياسي والاقتصادي والفني، هذه الدلالات وتحولاتها ستكون هي الأخرى عاملاً تطورياً داخل بنية الواقعية الجديدة نفسها، وما تحمله من تقاليد ومدارس وأساليب عديدة، رغم أن التقاء أفرادها لم يكن حول جمالية مشتركة بينهم قدر هاجسهم بالإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، ودور الإنسان في المجتمع، فالحرب كانت هي العامل الذي قرب بين نشاطاتهم الإبداعية والتزامهم الأخلاقي بقول الحقيقة هو الذي جمعهم، ومما لا شك فيه أن الالتقاء حول المواضيع المطروحة وأدوات التعبير قد ساعدهم في إعطاء مفهوم جديد للحرية، حتى عندما انتهت الحرب وحان وقت البناء، بقيت هي من يقدم صورة الإنسان ومعاناته وكأنها الناطق باسمه مثلما كان السيناريست زافاتيني الناطق غير الرسمي للواقعية رغم ميوله الماركسية.
لقد فرضت الواقعية الجديدة نفسها كظاهرة جديدة نكتشف عبرها إيطاليا من خلال ذاتها، وتعطي دوراً لتلك الشريحة من الشعب التي غابت طوال عمر السينما الظهور الأول على الشاشة، فنزلت السينما إلى الشارع والحقول والمزارع والمصانع، نزلت للعامل والفلاح وماسح الأحذية، ليكونوا هؤلاء الناس المجهولون أبطالاً للأحداث، وللموضوعات التي تلامس للمرة الأولى وبمأساوية حالة المجتمع، لقد كان الالتزام الأساسي لهؤلاء السينمائيين التزاماً أخلاقياً قبل أن يكون التزاماً فنياً.
كان تشيزاري زافاتيني هو أول من وضع أسس الواقعية الجديدة سينمائياً، فكانت أفلامه مع فيتوريو دي سيكا المنطلقات الأولى لتلك السينما عبر نظرية (شاعرية الرصد والتتبع)، أي رصد الشخصية، أفعالها، وخطوط سيرها، دون إعطاء حلول لمشاكلها، فيما يعد فيلم (روما مدينة مفتوحة) لروبرتو روسولليني النموذج الذي شرع الحركة والأسلوب معاً، مصرحاً بعد عرض الفيلم أن (الأشياء هي على هذه الشاكلة) ولتصبح العبارة شعار الحركة، فيما يصرح منظر كبير مثل سيغفريد كراكاور أن (الواقعية الجديدة كانت تؤمن بان هدف السينما هو الاحتفال بيوميات الأحداث).
ولّدت الواقعية الجديدة واقعيات أخرى، وجزء كبير من قوة السينما الإيطالية وعظمتها إنها تستمد من حقيقة أنها لا تستطيع الاستمرار في تقاليد الواقعية الجديدة، إنها -بالتأكيد- لن تفعل ذلك حتى لو كان بمقدورها أن تفعل، إن الانتقال من (روما مدينة مفتوحة) إلى (غامورا) أو (الأفضل شباباً) من الاحتجاج الاجتماعي المباشر للواقعية الجديدة، إلى الفيلم الذي يقتطع شريحة من التجربة تاركاً لنا مهمة تفسير واتخاذ القرار عما يدور على الشاشة، ليلخص جزءاً كبيراً من تاريخ سينما ذلك البلد خلال أكثر من نصف قرن.
لقد عمل مخرجو الواقعية الجديدة من خلال البيانات، بينما يعمل مخرجو ما بعد الواقعية الجديدة من خلال لغة الأسئلة، وتكرار أسئلة فشل التاريخ في تقديم أجوبة عن حالة الواقع، وهم يفعلون ذلك بموضوعية تفترض بمتلقيها استجابة على نحو غير عادي، ولكن الهدف الواقعي ما زال مؤسساً، رغم اختلاف اتجاهات ما بعد الواقعية الجديدة وأساليبها، ورغم اختلاف الدلالات المنتجة.