اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > رحلة على متن حافلة نقل الركاب تكشف حجم الخراب في بغداد

رحلة على متن حافلة نقل الركاب تكشف حجم الخراب في بغداد

نشر في: 3 يوليو, 2013: 10:01 م

التنقل بين شوارع بغداد في حافلات نقل الركاب يحيلك إلى اكثر من مشهد مأساوي مفروض على العاصمة، ويروي لك اكثر من حكاية عن محنة ومعاناة المواطنين وهم يقضون أوقاتاً طويلة في سبيل الوصول الى اماكن عملهم او في العودة الى منازلهم، ويشغلون انفسهم داخل الحافلة

التنقل بين شوارع بغداد في حافلات نقل الركاب يحيلك إلى اكثر من مشهد مأساوي مفروض على العاصمة، ويروي لك اكثر من حكاية عن محنة ومعاناة المواطنين وهم يقضون أوقاتاً طويلة في سبيل الوصول الى اماكن عملهم او في العودة الى منازلهم، ويشغلون انفسهم داخل الحافلة في بث تذمرهم وشكواهم عن ظروفهم الحياتية الصعبة، مستذكرين ومن خلالها ايام الزمن الجميل كما يقولون، مصلحة نقل الركاب بحلتها الجديدة ولونها القديم اصبحت وسيلة انتقال للمواطنين خاصة في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة لكونها تحتوي على تبريد يدار مركزيا من قبل المديرية التي تفرض اشتغال التبريد على سائقي تلك الحافلات التي استوردت من ألمانيا.

الحنين إلى الماضي
توجهنا انا وزميلي محمود رؤوف من المؤسسة صوب ساحة النصر وهي منطقة انطلاق الحافلات باتجاه باب المعظم، ما يجلب انتباهك قبل الصعود ان المحصل (الجابي) خارج الحافلة بصوت مرتفع يصيح (شورجة ...باب المعظم) شأنه شأن أصحاب سيارات الباص الأهلية كالكوستر او الكيا، صعدنا الحافلة واتجه محمود الى الاعلى لتتسلطن عدسته على الشارع ويرصد ماهو غير مألوف على عاصمته بعد التغيير الذي كان الجميع يتمناه ولكن ليس بهذه الصورة البائسة، الحافلة التي كانت تعج بالنساء اكثر من الرجال انطلقت في الساعة الواحدة ظهرا من ساحة النصر باتجاه باب المعظم بعد انتظار دام حوالي 15دقيقة، الحافلة توقفت خلال المسافة ما بين الساحة ونفق التحرير ثلاث مرات وهذا ما اثار حفيظة الركاب الذين يودون الوصول الى مبتغاهم على عجالة، فتحركت فيهم روح الشكوى والتذمر والحنين الى الماضي.

لا تخفيضات للطلبة
أبو حسام يتحدث عن أيام سبعينيات القرن الماضي بحسرة مستذكرا الباص الإنكليزي وكيف كان النظام المتبع قائلا "كان في بغداد لوحدها (120) خطا يغطي جميع مناطق بغداد وتسير الحافلات وفق نظام لا يمكن أن يخالفه أحد حيث تقف الحافلة في محطات مخصصة لها ولا يجوز لها التوقف في اي مكان آخر كما يحدث الآن، وفي تلك الحافلات خدمة خاصة وتسهيلات للطلبة والموظفين حيث يمكن للطالب او الموظف أن يقطع تذكرة شهرية بسعر مخفض يمنحه تمييز خاص عن البقية، فتجد طلبة وطالبات الجامعة وكذلك الموظفين أكثر المواطنين التصاقا بتلك الحافلات التي تضمن ذهابهم وإيابهم من بيوتهم الى جامعاتهم أو دوائرهم وبالعكس، أما اليوم فتلك الخدمة لا توجد بحسب قول ابو حسام".
220 ألف دينار يوميا
المحصل علي حسين عزا أسباب التوقف غير المنتظم  للحافلة الى غياب الموقف الخاص بالحافلات، فضلا عن كون وزارة النقل تفرض على السائق مبلغا مقطوعا قدره (220) الف دينار يوميا وفي حالة نقصان ذلك المبلغ سوف يستقطع من راتبه الشهري وهذا ما يجعله مضطرا الى التوقف كثيرا من اجل اصعاد اكثر عدد من الركاب لضمان المبلغ المطلوب منه من قبل الوزارة، وعن التخفيضات التي كانت تشمل الطلبة والموظفين يؤكد حسين أن تلك الامتيازات ذهبت مع ذلك الزمن الذي لا يتكرر بعد ان فرضت الوزارة على السائق ذلك المبلغ المقطوع، وبصدد عدم وجود تفتيش على الراكبين والراكبات من أصحاب الحقائب والأكياس النايلونية، يقول حسين "لايمكن السيطرة على العدد الكبير الذي يصعد الى الحافلة فضلا عن النساء اللواتي لايمكن تفتيشهن من قبل الرجل، وبالتأكيد التفتيش ضروري لكنها عملية تساهم ايضا في التأخير الموجود أصلا من خلال التوقفات التي لاتنتهي"، مؤكدا ان التدخين ممنوع داخل الحافلة كما يقول حسين.

(برّد كَلبك بربع)
الزحام عند ساحة الخلاني يحفز أي ناظر إلى الهجرة من بغداد اذا كان متمكنا ماديا من ذلك، لأن المشهد لا يدل على عاصمة اسمها بغداد بل مدينة خربة تملأها بسطيات تتفرعن على الأرصفة ومخازن ومرائب للسيارات والمواطنين يهرولون لا يسيرون وكأن غايتهم الوصول لا التبضع، ولا يغيب عن مسمع اي راكب في الحافلة اصوات اصحاب البسطيات من خلال مذياع خاص لكل بائع، بائع يصيح (الحاجة بـ500) ويقابله آخر(الحاجة بـ1000)، وثالث يقول وكانه يتوسل (شربت برتقال)، كل هذا وسط زحام وكأن بغداد أصبحت القاهرة التي يسكنها (20) مليون نسمة، كل هذا وقد نصبت سيطرة عسكرية بمجرد الخروج من نفق الجمهورية اضافة الى مفارز شرطة المرور التي تتسابق في وجودها بتلك الساحة لترصد المخالفات وتستوفي الغرامات من السائقين المخالفين، صوت جهوري يصيح (كبة طيبة) وآخر لبائع متجول (آسيا ...عراقنا بخمسة) وبائع لقناني الماء يصيح (برد كلبك بربع).

تبريد مركزي
المواطنة ميسون طالب علقت على مسألة غياب التفتيش في الحافلات انه "من الممكن لأي ارهابي ان يضع عبوة ناسفة ويفجر اية حافلة، او حتى بحزام ناسف خاصة وان العمليات الارهابية تطال الابرياء والفقراء مستثنية الاغنياء والمسؤولين المتحصنين بحماياتهم وقصورهم وسياراتهم المدرعة ضد الرصاص"، وتضيف طالب "كان من المفترض من وزارة النقل حين تقاعدت على شراء تلك الحافلات ان تفرض على الشركة المصنعة ان تزودها بأجهزة سونار خاصة لتفتيش الراكبين لاسيما وأن الوزارة على علم بالاوضاع الامنية التي يعيشها البلد"، مضيفة انه "من غير المعقول ان يستطيع المحصل على تفتيش جميع الركاب، وتحتاج كل حافلة الى امرأة لغرض تفتيش النساء لأنه لا يجوز تفتيشهن من قبل الرجال"، مبينة ان الحافلة مريحة جدا في الصيف لكونها مجهزة بتبريد مركزي، كما تقول طالب.

الأمانة وحملتها ضد المتجاوزين
من الحسنات التي تحسب لخط سير حافلة نقل الركاب بأنها أثناء مرورها بنقاط التفتيش تمر من خلال الطريق المخصص لمواكب المسؤولين وسير العجلات الامنية، لكن من سيئاتها إنها تقف من اجل الصعود والنزول في اية لحظة بناءً على رغبة المواطن الصاعد او النازل، بحيث لا حظت ان احد الركاب قام بالنزول بعد خمسة امتار من وقوف الحافلة مما أثار سخط المواطنين الذين يهمون بالوصول الى منازلهم.
تجاوزنا امانة العاصمة والغريب في الامر انها تصرح بين الحين والآخر بانها تقود حملة ضد المتجاوزين على الارصفة، لكن بقربها وتحيطها اكشاك وبسطيات متجاوزة ليس على الارصفة فقط بل على الشارع ايضا، وعربات تقودها الاحصنة والحمير محملة ببضائع مختلفة ولا ندري هل شعار الامانة هو "جارك ثم جارك ثم جارك" لتترك بغداد بهذه الصورة البائسة؟.

جارك ثم جارك ثم جارك
دخلنا سوق الشورجة التجاري  في الساعة الواحدة والنصف تماما ليصبح الزحام حاكما مستبدا للشارع، العربات الخشبية التي تجرها الحمير والاحصنة تملأ الشارع الذي كان يوما ما سوقا رائعا يعج بالسائحين العرب والاجانب، تجاوزت الحافلة الشارع بشق الانفس، وصوت المحصل يعلو(باب المعظم...باب المعظم) لاقتناص اكبر عدد ممكن من الركاب،  نزلنا انا ومحمود في ساحة زبيدة ليصعد بنا الهم الى اعلى مستوياته في تلك الساحة التي كانت في اربعينيات القرن الماضي متنزها يحتضن العوائل التي تحوط نافورته بأطفالها، اما اليوم فهي عبارة عن مكب للقاذورات ومرآب عشوائي لسيارات الحمل تخلو حتى من دورة المياه مما يضطر بعض السائقين الى قضاء حاجتهم خلف سياراتهم وتفوح من الساحة روائح شبكة المجاري الطافحة، وهذا ما دعاني الى الالتفات نحو العاصمة مرددا قول نبينا المصطفى (ص)(جارك ثم جارك ثم جارك).

ساحة الرصافي وضمائر المفسدين
توجهنا إلى ساحة الرصافي  لنشاهد مشاهد الإحباط التي تحيط بنصب الشاعر معروف الرصافي الذي كتب له ان يعيش ويموت فقيرا وتحيطه مشاهد الفقر بعد الموت، صور البضائع التي فرغت من سيارات الحمل تملأ الساحة، عربات الخشب سيدات يتحكمن بساحة الرصافي، بعضها  لغرض الحمل وأخرى لغرض عرض انواع مختلفة للبضائع، عربات لبيع السندويج تجاورها عربات لبيع العصائر، واكشاك ثابتة لبيع السكائر، ساحة تحولت بفعل الاهمال الى مكب قاذورات ومخزن للبضائع  ومرآب لانواع مختلفة من السيارات وعاصمة للعربات الخشبية، ولا ادري ماذا يقول الرصافي عن حاله وسط ذلك المكان لو بعث حيا، لا أدري، فحال بغداد اليوم يغيض حتى العدو، بعد ان اهملتها الضمائر الفاسدة وغابت عنها مبادرات الاصلاح   التي تستحقها على الرغم من مليارات الدولارات التي رصدت لاعمارها، لكنها وللأسف ذهبت في ارصدة المسؤولين الذين يدعون الدين.

سائقو الكيات والحافلة
استقللنا حافلة اخرى متجهة صوب البياع برقم الخط القديم (45) كانت متوقفة قرب مرآب عشوائي (للكيات) وهذا الوقوف كان مصدر تذمر سائقي الكيات الذين يعدون وقوف الحافلة هناك سببا لقطع أرزاقهم باعتبار ان الحافلة تحصل على جميع الركاب لكونها تحوي على (77) مقعدا فضلا عن الراكبين الذين يضطرون الى الوقوف بعد ان تمتلأ الحافلة وهذاما رأيته بالفعل في المصلحة المتجهة صوب البياع عن طريق العلاوي، حيث كان المحصل يصيح بأعلى صوته غير مبال بتذمر سائقي الكيات (علاوي ...بياع)، وتملأ اذني اصوات سائقي الكيات (الله يكطع رزقك) (دطلع ما شبعت) (خلينه جم نفر مو قبطت)، المهم امتلأت الحافلة بالنساء والرجال، جميلات وقبيحات لكن اجملهن صعدت الى الحافلة وتوجهت نحوي مباشرة لتقول لي (للبياع..مو) فأجبتها (نعم) ثم تسلقت السلم باتجاه الطابق العلوي وكأنها تسلقت أضلاعي بغنجها وفتنتها.

بغداد ثكنة عسكرية
عرفت من المحصل بأن الوزارة تطالب سائقي خط الرصافي... بياع بمبلغ قدره (125) الف دينار، في حين تطالب خط  حي العامل (100) الف دينار، مبينا انهم أحيانا لا يستطيعون الوصول الى ذلك الرقم ويستقطع المبلغ المتبقي من راتب سائق الحافلة، مبينا بانه الشهر الماضي تم استقطاع ما يقارب (70) الف دينار من مرتب السائق، مبينا بانه في حالة حصول اي ضرر بالسيارة يتحملها السائق، اما الإدامة والوقود  تتحملها الشركة العامة لنقل الركاب، موضحا بأن الدوام يبدأ من الساعة الخامسة صباحا حتى الرابعة مساءا، ويضيف المحصل ابوحسن ان هناك ثلاثة خطوط فقط عاملة في بغداد وهي خط ساحة النصر –باب المعظم وخط الرصافي-البياع وخط الرصافي –حي العامل في حين كانت بغداد تحتوي على (120)خطا، موضحا بان هناك (160)حافلة مستوردة موجود في الشركة ويعيق عملها عدم تثبيت لوحات الارقام عليها، وشكى ابو حسن من الوقت الذي تسببه له الزحامات حيث يستغرق الوقت احينا من الرصافي الى البياع اربعة ساعات، لكننا وللامانة اقولها استغرقت الحافلة برحلتها الى البياع ساعتين فقط، عشنا فيها رحلة مأساوية شاهدنا فيها بغداد وهي تغرق بالخراب والزحامات وكأنها ثكنة عسكرية ملأتها الحواجز الكونكريتية ونقاط التفتيش.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram