لم يكن أمام الجيش المصري خيار، غير إطاحة حكم المرشد وإخوانه ومندوبه في قصر الاتحادية، بعد أن قال الشعب كلمته، واستعاد ثورته التي كادت تضيع في دهاليز صناديق الاقتراع، التي اختاروا فيها مرسي رئيساً، لمنع وصول الفريق شفيق إلى الموقع، لظنّهم أنه سيكون امتداداً لحكم مبارك، وليس لقناعتهم بقدرات مرسي، الذي تمتّع بدعم حزب حديدي التنظيم، ومُقتدر مالياً، ولعب على وتر الإيمان، وهو سمة الشعب المصري، لكنه لم يُدرك أن هذا الإيمان يعني عندهم طاعة الله، وليس المرشد، الذي توهّم في لحظة أنه سيقود العالم الإسلامي "السُنّي" وأوهم أتباعه في التنظيم العالمي، أن العصر عصرهم، وأنه آن أوان قطف ثمرة "جهادهم"، المستمر منذ ما يُقارب التسعين عاماً.
لم يُؤمن الإخوان يوماً بالديمقراطية والمشاركة وقبول الآخر، فضيّعوا فرصة حُكم أكبر دولة عربية، احتموا بفاشيتهم، ولم يتعلّموا درس النازيّة والفاشيّة، التي وصلت إلى الحكم مثلهم عبر صناديق الاقتراع، وفقدته حين اختصرت دور المؤسسات بحزبها، وصفّت المنافسين، لأن مشروعها الوطني يسوّغ ذلك، وهذا بالضبط ما فعله الإخوان، ولكن بفارق أن مشروعهم كان دينياً أممياً عابراً للأوطان، وفي لحظة النشوة بالفوز، تناسى الإخوان وعودهم بالتعايش، واستعدادهم القبول بالتداول السلمي للسلطة، واستيقظت في صفوفهم روح المناكفة والمغالبة، فاصطدموا بالقوى الثورية التي أطاحت مبارك، والقيادات الدينية ورجال القضاء ومؤسسات الإعلام والأقباط، ولم يوفّروا المؤسسة العسكرية، وكانت النتيجة الطبيعية أنهم بأيديهم رصّوا صفوف مناوئيهم، الذين تمكنّوا اليوم من منع تنفيذ مخططات أسلمة المصريين على هوى المرشد، وأخونة الدولة عبر إقصاء كل الآخرين.
لو لم يلجأ الاخوان لفاشيّتهم وفكرهم الإقصائي، لكانوا أخذوا بالاعتبار أن فوزمرشحهم الرئاسي بنسبة ضئيلة، يحتّم عليهم إنجاز الكثير، وبإيجابية تقنع المعارضين أولاً، ثم ناخبيه بحسن اختيارهم، غير أن مرسي لم يُدرك أنّ من يتصدر المشهد بعد نجاح الثورة، مُطالب بحسن الإدارة، وعقد التحالفات، والتنازل حين يستلزم الأمر ذلك، وإتقان فن المساومة، ليكون قادراً على أن يظلّ في الواجهة، على العكس من ذلك تماماً، أتقن مرسي فنون الاستحواذ والإقصاء وصناعة الاعداء، وظل سائراً على نهج الجماعة، التي ارتكبت غلطة عمرها، حين تراجعت عن موقفها بعدم التعجّل وترشيح رئيس للجمهورية منها، وبأنها لن تسيطر على البرلمان، وكان معنى ذلك أنها تعرف أن الثورة مدنية وليست دينية، وأن المشاركين فيها اقتنعوا بحكمة الجماعة، وبأنهم يشكّلون جسراً بين عهدين، ثم اكتشفوا أن شهوة السلطة تغلبت على الحكمة.
تمسّك مرسي حتى اللحظة الأخيرة بشرعيّة صناديق الاقتراع، وتجاهل مشاعر مواطنيه المحبطة من سوء الاداء الذي تميزت به سنته الأولى في الحكم، ولم يدرك أن نزول الملايين إلى الشارع، قادر على إسقاط أي شرعية مزعومة، وكان مغيّباً عن حقيقة أن تجاهل ملايين المصريين، وهم يحتلّون الميادين، ليس أكثر من انتحار سياسي، وأن تكرار الحديث الممجوج عن تدخل خارجي في رسم المشهد المصري، ليس أكثر من استخفاف مستفز لملايين المقتنعين بأن ثورتهم سُرقت، وأنهم قادرون على تجديدها، وأن محاولات أسلمتها فاشلة، لأنها في الأصل وطنية إنسانية ديمقراطية ومدنية، هدفها الديمقراطية والدولة المدنية، وهي ترفض الاستبداد، سواء كان سياسياً أو دينياً أو طائفياً، لتستحق أن تكون الرافد الأهم في ثورات الربيع العربي، التي تكاد تُحرف عن أهدافها النبيلة، على يد الإسلام السياسي.
مؤسف أن أداء الاخوان ومرسي، أفشل تجربة أول رئيس مدني مُنتخب في مصر، وكاد يعيد البلاد إلى حكم العسكر، لولا ما نعتقده من حكمة قادة المؤسسة العسكرية المصرية، المنحازة إلى خيارات شعبها، والمؤمنة بدورها الوطني، بعيداً عن شهوة السلطة التي أعمت الاخوان.
الإخوان وفشل التجربة
[post-views]
نشر في: 5 يوليو, 2013: 10:01 م