هل تغير المالكي، أم تغيرت المحكمة الاتحادية، أم أن الطرفين أخذا يصدقان الحقائق السياسية الجديدة التي أفرزتها مرحلة ما بعد نتائج اقتراع المحافظات والتنسيق العالي بين أطراف محور أربيل والنجف، ويغيران قواعد العمل وفقها؟
أمضينا ١٠ أيام ونحن نسمع الوعيد والتهديد من كتلة رئيس مجلس الوزراء وأنها ستطعن في ثالث قانون "تاريخي" ينجح محور "أربيل - النجف" في صناعته بأغلبية برلمانية ويعيد الاعتبار لاستقلالية المؤسسات عن مكتب السلطان ويستعيد هيبة اللامركزية التي كتبناها في الدستور، لكبح شهوات تسلط أفقدت فريق السلطة توازنه النفسي شهورا طويلة.
وفجأة خفتت الأصوات وبدأ التراجع عن الطعن والحديث عن "ضرورة التوافق" على الصلاحيات الأمنية للمحافظات. أيضا فقد خفتت الأصوات بشأن القانونين الأخرين "مجلس القضاء وتحديد الولايات". فالشيخ خالد العطية أعلن الأربعاء تراجع ائتلافه عن الطعن لدى المحكمة الاتحادية في قانون تعديل صلاحيات المحافظات. ولعلها المرة الأولى التي يفقد فيها ائتلاف دولة القانون "ثقته المطلقة" بنفوذه "الروحي" على المحكمة الاتحادية.
وعلى أي حال فإن كتلة المالكي بدأت تدرك أن من الصعب عليها خوض مواجهة في قانون يمنح المحافظات ما تطلبه البصرة ونينوى معاً، وتدعمه معظم النخب السياسية والدينية والاجتماعية. وبشأن صمت طال ٥ أشهر على قانون تحديد الولايات، فيبدو أن هذا القانون لم يعد بين الهموم المركزية لفريق السلطة، إذ أنّ صمود التفاهمات بين تحالف المعارضين لنهج السلطان، والاقتراع الأخير الذي كان بمثابة استفتاء على نهج أمة "ما ننطيها" وما أنتجه من رفض شيعي واسع لسياسة الحرب، جعل المشكلة أكبر من قانون يمنع المالكي من البقاء في منصبه. فسواء مضى التشريع هذا أو تعرض للطعن فان نتائج اقتراع ٢٠١٤ تبدو واضحة اليوم، ودولة القانون أكثر الأطراف إدراكا لصعوبة التمسك بالأحلام القديمة على رقعة الشطرنج الجديدة والمليئة بالمفاجآت الداخلية.لكن النقطة الأكثر أهمية اليوم هي تلك الإشارات التي توحي بأنه لم يعد سهلا على القاضي مدحت المحمود أن يستجيب للمالكي ويلغي بيسر كما في السابق، قوانين مدعومة بأغلبية برلمانية متنوعة.
إن ظهور حقائق سياسية جديدة في البرلمان وفي الحكومات المحلية سيؤدي بشكل طبيعي إلى حقائق مماثلة في باقي مفاصل الدولة مثل مؤسسة القضاء. فالسلطة التشريعية بوصلة الشرعية والتمثيل لمختلف العراقيين، ورؤوس السلطة القضائية يراقبون البرلمان بدقة ويدركون دلالات التحول في حركات رقعة الشطرنج داخل البرلمان.
والأمر أوسع بكثير من مجرد أفكار جديدة داخل رؤوس كبار القضاة. وسيكون ممتعا خلال الشهور المقبلة ان نراقب كيف سيبدو أثر التحولات السياسية، في باقي المؤسسات. الزلزال "الصغير" في اقتراع المحافظات سيتلوه زلزال أكبر في اقتراع البرلمان بعد شهور. والخسارات المتكررة للمالكي داخل عمليات التصويت البرلماني، سيتلوها تنسيق أكبر يطوقه في تشكيل حكومة ٢٠١٤. وكل مؤسسات الدولة وجهازها البيروقراطي يراقبون هذا. وفي وسعي أن أتصور "ثرثرات قلقة" في مؤسسات مثل هيئة الإعلام والاتصالات وهيئة النزاهة مرورا بالعاملين في شبكة الإعلام العراقي وباقي المفاصل الحساسة. هؤلاء يمتلكون القدرة الكافية لتحسس الطابع التعددي الانتقالي للسلطة الاتحادية في بغداد، وبدأوا يفتحون عيونهم على حقيقة أن تداول السلطة مرحلة أكيدة.
وماذا عن الجيش والمؤسسة الأمنية؟ إن من المعقول جدا أن الجنرالات راحوا يناقشون كذلك تغير الأوزان وتحولها، ويحسبون حسابا لمعنى ٢٠١٤.
وفي الحقيقة فإن كل هذا سيكون جزءا من طبيعة الأمور، لأن "سيستم" العمل السياسي في العراق نجح في تجاوز اختبارات عدة، ونظام كهذا رغم عيوبه، أثبت أن المصالح "تشتغل" بنحو اكثر منطقية اثر سنوات من العمل المؤلم وإراقة الدماء وصراع الإرادات. والتحول في "منطق" رقعة الشطرنج هذه، سيكون نافعا كثيرا حتى لائتلاف دولة القانون، وسيعيد موضعة حزب الدعوة في الخارطة السياسية بشكل مناسب اكثر. كما أن الأمور التي تقلل من "اندفاعة" المحكمة الاتحادية، هي نفسها عوامل يمكن أن تساعد حزب الدعوة على استعادة "التوازن النفسي" والبدء برسم طموحات اكثر واقعية.إ
إن طريقة الشيخ العطية في وصف اعتراضات حزبه على الصلاحيات التاريخية للمحافظات، أبرز مؤشر على أن هذا الفصيل السياسي أمام فرصة تغيير في قواعد لعبته السابقة. والتغيير الضروري هذا شرط أساسي لإعادة دمج الحزب في "نادي السياسة" وتخليصه من عزلته التي دامت سنتين منذ خروج الفيالق الأميركية. وحريّ بهم الاستفادة من كل هذا.
المحاكم تخذل المالكي!
[post-views]
نشر في: 6 يوليو, 2013: 10:01 م