TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لماذا أبكي؟

لماذا أبكي؟

نشر في: 6 يوليو, 2013: 10:01 م

آهٍ لو أعرف سبباً لهذه الدموع التي تنهمر من عيني، دون إرادتي، كلما سمعت أو شاهدت موقفا لإنسان، أو حتى حيوان، غيور. كنت وما زلت أسأل، لماذا يبكيني من تهتز به الغيرة من أجل غيره إن ظُلِم أو استضعِف؟ أما يفترض بمن يجد ناصرا لمظلوم أن يفرح؟ فعلام أبكي؟ لماذا بكيت حين قرأت اعتذار رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون لمنتخب شباب العراق؟ أيكون الخجل؟
في العام 1985، رقد ولدي، علي، في مستشفى ببريطانيا لمدة عام تقريبا بانتظار أجله. كنا انا وأمه نتناوب السهر. عين عليه وعين أخرى على أطفالنا القصّر. يائسين، بحال لا نتمناها حتى لعدونا. تبرع صديق لي من أهل الموصل ان يشاركنا، هو وزوجته، السهر على ولدنا كي نوفر وقتا للاهتمام بأطفالنا الصغار الذين كنا نضطر لتركهم لوحدهم في البلد الغريب. سهر سفيان ذات ليلة مع علي بالمستشفى الى أن جئته في الصباح التالي لأحل محله. وجدته يبكي. ظننت ان ولدي قد مات. قال لي: كلا، لقد أبكتني الممرضة ليلة البارحة. ليش؟ كان الوقت يقارب الرابعة صباحا وكنا نياما والطفل فاقد وعيه تماما. جاءت الممرضة وركبّت له المغذي لكن قطرات منه سقطت بالخطأ على غطاء الطفل. لم يرها أو يسمعها أحد. حتى أنا كنت غافيا. استيقظت على صوتها وهي تعتذر "آسفة يا علي..ما كنت أقصد ذلك أيها الطفل الجميل..اعذرني..أعاهدك إني لن أكررها". أنهى صاحبي الحكاية وبكى مرة أخرى. إي ليش تبجي؟ لأن خجلتني يا هاشم. فهل فينا نحن، من ندعي بأننا خيرة الناس أخلاقا، من يعتذر بإنسانية مثل هذه الإنكليزية؟  
أظن ان الذي أبكاني في اعتذار كاميرون لفريقنا هو الخجل ذاته الذي أبكى صاحبي سفيان. يعتذر عن خطأ صدر عن جريدة "الاندبندنت"، وهو ليس صاحبها أو ممولها. يعتذر لأنها تصدر في بلد هو رئيس وزرائه. يعتذر رغم ان التقرير الذي كتبته الجريدة كان كله مدحا وتمجيدا لمنتخبنا وانتقادا لاذعا لمنتخبهم. جاء اعتذار كاميرون عن عبارة في العنوان وصفت لاعبينا أنهم "أطفال الحروب". من يقرأ التقرير سيعرف بوضوح أن القصد كان مدح شبابنا الذين، رغم انهم تربوا وعاشوا تحت ظل الاحتلال والإرهاب، أبعدوا أبناء إنكلترا المدللين (مثل أبناء المسؤولين القاطنين في الخضراء ببغداد) عن الكأس. إنها ترجمة لما غناه مطربونا: "هذا لاعبنا العراقي من المآسي جاب فرحة"، بحسجة إنكليزية!
اعتذرت يا كاميرون والجريدة ومحرروها ليسوا من قواتك الأمنية. فما الذي كنت ستفعله لو اعتدت قواتك على اللاعبين وسط الملعب وقتلت مدربهم حتى الموت؟
يا ديفيد، ان نوري الذي عندنا يرى في الاعتذار مذلة. وإننا شعب، حتى وإن قتلت قواته نجومنا في وضح النهار لا نستحق منه الاعتذار. لقد علموه ان دولة "المؤمن" لا يعتذر حتى وإن هرّب سارقا وتستر على قاتل وقصر في حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم واكتفى بحماية نفسه وأبنائه وأحفاده والمقربين منه في خضراء الدمن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram