وصل أبو قتادة إلى الأردن، بعد أن استغرقت قضية إبعاده من بريطانيا عشر سنوات، عشر سنوات والمؤسسات الأردنية تضغط من أجل عودته إلى أراضيها بغرض محاكمته، والمؤسسات البريطانية -التي لا ترحب بوجوده على أراضيها- تضطر إلى الإبقاء عليه احتراماً لقوانينها وضوابطها. لكن ليست هذه هي المفارقة، بل المفارقة تكمن بحرص أبو قتادة على التمتع بامتيازات النظام البريطاني "الكافر" بذات الوقت الذي يسعى إلى أسلمته، وعملية أسلمت هذا النظام تعني بلا شك، عند أبو قتادة وعند غيره، تهديم البناء الذي يكفل نفس الامتيازات التي يريد أبو قتادة وأمثاله التمتع بها، وهذا ازدواج لا يمكن بسهولة استيعابه أو فهم الخطة التي يعمل وفقها والهدف الذي يسعى إلى تحقيقه.
حكم على أبو قتادة سنة 2000، غيابياً، بالسجن (15) سنة بسبب اتهامه بالتخطيط لشن هجوم على سائحين في الأردن. السائحون بالتأكيد أجانب أي "كفار"، وقد قضى هذه السنين العشرة يحتمي بالنظام الكافر من محاكمة يقوم بها نظام "مسلم" يعرف أبو قتادة جيداً بأنها ستقوده إلى حبل المشنقة. والمفارقة أن أبو قتادة كان يصر على البقاء في بريطانيا، وكأن لسان حاله يقول للبريطانيين أريدكم أن تحموني من حكم الإعدام من أجل أن استمر بقتلكم وقتل أمثالكم.
هذا هو الوعي الذي ينطلق عنه التشدد الإسلامي، وكل تشدد. فهو وعي مأزوم ويفكر بطريقة غير مفهومة، وقد أشرت بمقال سابق إلى أن المتشددين في سوريا وخلال ممارستهم عملية قتل الشيعة في سوريا علناً إنما يرسلون رسالة غير مباشرة لجميع أطياف الشعب السوري من غير المسلمين السنة، مفادها، أننا قادمون من أجل ذبحكم، وهذه مفارقة غريبة هي الأخرى، فمن الغريب أنك تريد أن تؤسس لنفسك وجوداً في مكان وتهدد أهله بالقتل، فهذا التهديد سيجعلهم يتكاتفون من أجل الحيلولة بينك وبين التأسيس، المعقول هو أنك تستميلهم إلى أن ترسخ وجودك على الأرض ثم تقتلهم، أما أن تقتلهم وأنت بعدُ ضعيفٌ بينهم فهذا ما لا يمكن فهمه. وفي العراق مارسوا نفس الممارسات المدهشة، حيث أخذوا يعتدون على العشائر التي كانوا بحاجة لحمايتها، ويغرقون بممارسات لا يقبل بها لا عرف ولا دين ولا أخلاق هذه العشائر. وكأنهم يرسلون ذات الرسالة التي تستفز البيئة التي هم بحاجة إلى حمايتها.
هل هي نعمة أن المتشددون يفكرون بهذه الطريقة؟ نعم هي نعمة ولذلك قلماً يحظون بدعم ورعاية جهة ما لمدة طويلة، لأنهم سرعان ما يتصرفون بطريقة تؤدي إلى الإضرار بمصالح تلك الجهة، وهم لا يفعلون ذلك حرصاً على مبادئهم، بل استمراراً بغيهم، إذ أن تاريخهم القريب والبعيد يؤكد حيادهم عن جميع المبادئ التي يفترض أنهم يؤمنون بها.
عودة أبو قتادة إلينا
[post-views]
نشر في: 7 يوليو, 2013: 10:01 م