بانتظار غد أفضل يستحقه المصريون، تعيش مصر اليوم واقع خلافات سياسية حادة، يُخشى أن تؤدي إلى انقسامات في المجتمع الذي عرفناه واعتدناه متآلفاً ومتسامحاً، وليس هناك شك في أن أصحاب الرؤوس الحامية في قيادة جماعة الإخوان المسلمين، يدفعون بالمصريين إلى المواجهة والمغالبة، حين يؤكدون أن هناك خياران لا ثالث لهما، إما إعادة تنصيب مرسي رئيساً، ليقود الحوار ومناقشة خرائط الطريق مستقبلاً، أو الموت في سبيل ذلك، وفي ذلك دليل على أنهم باتوا يتأرجحون بين حاضر متخبط ومستقبل مجهول، ولعل صدمة تنحية مرسي، وإعادة إنتاج الحياة السياسية، هي ما يدفعهم إلى اتهام الجيش بالخيانة، ومحاولتهم الإيحاء بأن ما يجري في "المحروسة" ليس أكثر من صدىً لمؤامرة خارجية، تشترك فيها الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، باعتبار أنهم تقدميون، على تضاد مع السياسات الأميركية، وأنهم ما زالوا عند وعدهم بالزحف الملاييني لتحرير القدس.
مقابل الحالة الهستيرية، المسيطرة على الشارع الإخواني، تسعى الكثير من القوى للتفريق بين موقف "القيادة القطبية" المتشدد وبين مواقف شباب الجماعة، الممكن دعوتهم للمشاركة في العملية السياسية، كي لا يفقدوا مستقبلهم السياسي، وخشية خضوعهم للكبار الذين أضاعوا تاريخهم، وتحولهم إلى العمل الإرهابي، إن شعروا بأن بقية القوى تتعمد تهميشهم، وفي الأثناء فإن حزب النور السلفي، وهو يسعى لوراثة الإخوان، بعد مشاركته في تنحية مرسي، يحاول فرض رؤيته على بقية القوى السياسية، فيرفض تعيين زياد بهاء الدين كرئيس مؤقت للوزراء، وتعيين محمد البرادعي نائبا للرئيس المؤقت، بزعم أن الاثنين ينتميان لتيار واحد هو جبهة الإنقاذ، علماً بأن البرادعي يصر على التوصل إلى توافق مع هذا الحزب، ولا يقبل إقصاء أي طرف، وهو يعلن ضرورة إشراك الإخوان في رسم المستقبل السياسي لمصر، ويطالب بوجوب التعامل مع مرسي معاملة كريمة، رغم قناعته بأنه دون تنحيته، كانت مصر ستسير نحو الدولة الفاشية، أو تنزلق إلى حرب أهلية.
لا يقف الجيش المصري محايداً، فهو من أقصى مرسي عن موقعه، وهو يضع نصب عينيه مستقبل مصر وأمنها القومي، لكن الخوف حقيقي من أن يجد نفسه مُجبراً على فرض الأحكام العرفية، في حال استمرت حالة الفلتان الأمني، التي سمحت لبعض الإخوان بإلقاء معارضيهم من على أسطح البنايات، وسمحت لآخرين بتفجير خطوط الغاز في سيناء، وفي حال استمرت الحشود باحتلال الشوارع والميادين، وتعطلت حركة الإنتاج، واصطدم الجيش مع مناصري مرسي، كما حصل فجر أمس عند مقر الحرس الجمهوري، حينها سيفقد المصريون وعد المستقبل الأفضل، وحلم الديمقراطية وتداول السلطة، ولعل هذا ما يطمح له الإخوان، وتسعى له قيادتهم، لكن علينا توقع أنّ الملايين التي هتفت يسقط حكم العسكر ثم يسقط حكم المرشد وقبل ذلك هتفت لمبارك إرحل لن تقف مكتوفة الأيدي، وعندها ستدخل "أم الدنيا" نفقاً مظلماً لا يعلم أحد متى ستخرج منه وكيف.
مصر على أبواب نفق مظلم
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2013: 10:01 م