لن يستطيع أحد تبرير القتل بالجملة عند أسوار ثكنة الحرس الجمهوري، وسيكون مستحيلاً إعلان انتصار طرف على الآخر، فالكل خاسرون، وبوابة العنف التي انفتحت عند فجر الإثنين، مرشحة لفتح أبواب الجحيم على مصر وأهلها، خصوصاً وأن دعاة الكراهية استمرّوا في التحشيد والشحن، فيما يواصل الطرفان ادعاء الشرعية، التي باتت كقميص عثمان، منذ فضّل الإخوان التنظيم على الدولة، واعتبروا الشعب المصري قاصراً يحتاج إلى مرشد، وأكّدوا تمسّكهم بالعنف بديلاً للحوار، وافتقارهم إلى برامج تفصيلية، تتيح لهم النجاح في إدارة الدولة، ورفضهم القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية، باعتبارها بدعةً غربيةً، لا تصلح إلاّ لإيصالهم للسلطة ثم تندثر.
يسعى البعض لعقد مقارنات بين ما يجري في مصر، وما كان جرى في الجزائر، وما هو قائم اليوم في سوريا، باعتبار أن الصراع هو بين الجيش والإخوان، وفي ذلك محاولة بائسة، لتهميش جهد الجماهير المصرية التي نزلت إلى الشوارع بالملايين، رفضاً لسياسات الإخوان، الذين قابلوا ذلك، بعد انضمام الجيش إلى الكتلة الأكبر من المصريين بالتصعيد، وصولاً إلى الصدام مع الجيش وقوى المعارضة، في عمليات جهاديّة، تُعيد إلى الذاكرة ملامح تسعينيات القرن الماضي، حين شنّ الإسلامويون حرباً دمويةً، راح ضحيتها المئات من السياح وأفراد الأمن والجيش والمثقفين والأبرياء، وخلّفت خسائر اقتصادية كبيرة.
كشفت تجربة الإخوان المصريين في الحكم، عجزهم وإﺧﻔﺎﻗهم ﻓﻲ إبداع ﺻيغة ما ﻟﻼﻧﺪﻣﺎج ﻣﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، واﻟﺘﺂﻟﻒ ﻣﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮه اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، بدل أن ينتقلوا إﻟﻰ الطﻐيان، وأقصاء كل من لايحمل فكرهم، وهم بذلك ضربوا مثلاً رديئاً لبقية "إخوانهم"، وأكدوا عدم نضجهم السياسي، وأﻧهم ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﺟﺬرية ﻟﺘﻜﻮينهم اﻟﻌﻘائدي، ونظمهم التربوية اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ، والمتضادة بشكل جوهري مع الديمقراطية، اﻟﺘﻲ أتاحت لشخص مثل محمد ﻤﺮﺳﻲ الوصول إﻟﻰ ﺳﺪة اﻟﺤﻜﻢ، وهم اليوم يواصلون العناد، متبنّين ﺨيار اﻟﺪم والعنف والمجابهة والمغالبة واﻟﺼﺪام، وصولاً إلى نحن أو الطوفان، لكن ذلك، من وجهة نظر ديمقراطية ووطنية، لايبرر لقوات الحرس الجمهوري، قتل المغرر بهم من شبابهم بالجملة.
الواضح اليوم أن الازمة في أم الدنيا أخذت منحىً جديداً، فخطابات الكراهية والتحريض، التي يقودها المرشد البديع والفتاوى التي يتصدّى لإطلاقها شيخ فضائية الجزيرة القرضاوي، لن تؤدّي لغير انقسام المجتمع المصري، وهيمنة العنف على حياة المصريين، وصولاً إلى تحويل مصر إلى دولة فاشلة، عاجزة عن حل مشكلاتها، ما يستدعي لاحقاً تدخلاً أجنبياً لفض الإشتباك، وإيقاف نزيف الدم، وحماية أرواح المدنيين، غير أن وعي المصريين، سيمنع مذبحة دار الحرس الجمهوري، من أن تكون سلّم نجاة لهم، بتحويلهم إلى ضحايا، فقد كشفت تجربتهم عن جماعة فاشيّة، لا تقيم وزناً للحياة الإنسانية، وتسعى إلى فرض رؤيتها الضيقة والمتخلفة، على مجتمعات مدنية، لا تلتقي مع خطابها ولا أهدافها، لكنها تصر على النطق باسمها، وتواصل التدثر بعباءة الدين واحتكار الحقيقة.
وبعد، فان المؤكد أن لا عودة إلى الوراء، لكن القادم هو الأصعب، والكرة الآن في ملعب القوات المسلحة وتحالفها السياسي، والمطلوب منها المضي قدماً في خطوات تحقق المصالحة وتهدئة الظروف والمشاعر المختلفة، كما أنها مُطالبة بمزيد من ضبط النفس أمام المتظاهرين، حتّى لو كانوا قد جنحوا للعنف، لأن مستقبل مصر كله يتوقف على هذه الأيام الحاسمة.
إذا وقعت الواقعة
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2013: 10:01 م