حظيت عملية ترشيح الدكتورمحمد البرادعي لموقع سياسي رفيع في مصر مابعد الإخوان، بردود فعل غير متوقعة، انتقدت هذا الخيار تحت شتّى الذرائع والأعذار، لكن أبرزها كان اتهامه بتسهيل الغزو الأميركي للعراق، وهو اتهام باطل، لأن الرجل كان أثار غضب واشنطن عام 2003 بتشكيكه في امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، وهو الأمر الذي ثبتت صحته بعد ذلك، إضافةً إلى موقفه الأخلاقي، حيث انتقد صراحةً سياسة المعايير المزدوجة، حيث تسعى القوى التي تملك السلاح النووي لمنع غيرها من الحصول عليه، ولعل من المفيد التذكير بأن البرادعي تعرّض من نظام مبارك لحملة ضارية، تتهمه بالانفصال عن الواقع المصري، بل وحتّى العمالة للخارج، في حين يحظى حالياً بشعبية بين الناشطين المطالبين بالديمقراطية، بسبب معاركه ضد الرئيسين المخلوعين مبارك ومرسي.
رغم أن البرادعي أمضى فترة طويلة خارج بلاده، فإنه اليوم يشكل صوتاً عالياً في جبهة 30 حزيران المعارضة، والتي تضم أهم الأحزاب والحركات المعادية لمرسي، وهو كان منذ بداية الثورة ضد نظام مبارك، لصيقاً بالمطالب الشعبية، مرابطاً في ميدان التحرير، واعداً ببداية عهد جديد، وهو اليوم مخوّل من جبهة الإنقاذ بمسؤولية تأمين تنفيذ مطالب الشعب المصري، وإعداد سيناريو يهدف إلى تنفيذ خريطة الطريق للانتقال السياسي، يرفض الرجل حكم العسكر من حيث المبدأ، وهو كان في العام 2012، المرشح الليبرالي العلماني للرئاسة، لكنه انسحب رافضاً الطرق غير الديموقراطية لحكم العسكر للبلاد، يؤمن بضرورة رسم الدستور الجديد لمصر من الصفر، قبل أية انتخابات، وقد انتقد علناً وجهات نظر المجلس العسكري والقوات المسلحة في كتابة الدستور.
لايمكن للمراقب المنصف اعتبار البرادعي طارئاً على الحياة السياسية في بلاده، فقد لعب فيها أدواراً مختلفة خلال السنوات الماضية، كان أبرزها دوره في الثورة التي أطاحت بمبارك، ومواقفه إبّان فترة مرسي، وهو لهذا، وبسبب نزاهته وتواضعه، يحظى بشعبية بين الناشطين المطالبين بالديمقراطية والمؤمنين بالليبرالية، صحيح أنه عاد مؤخراً إلى البلاد، لكنه خلال تواجده خارجها رفع اسمها عالياً، حين حصل على جائزة نوبل للسلام، وعند تولّيه منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي وضعه في موقع الخصم لواشنطن، بشأن العراق ثم إيران، كان مخيفاً لنظام مبارك الذي شنّ ضده حملة إعلامية بذيئة وظالمه، لكنه رغم ذلك أسّس الجبهة الوطنية للتغيير، والتي كانت تضم بين صفوفها الكثير من تيارات المعارضة، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، أنشأ حزب الدستور، والذي حاز أكبر توكيلات لحزب تحت الإنشاء، مؤمن حقيقي، ومدافع بصلابة عن حقوق الإنسان، وحرية العقيدة والعدالة الإجتماعية.
تستحق مصر، وهي تخطو بثبات نحو الديمقراطية، بعد عقود من حكم الفرد الدكتاتور، وبعد سنة من التجربة المُرّة مع جماعة الإخوان المسلمين، أن يكون الدكتور البرادعي، الذي ظلّ دائماً يمثل أنبل وأرقى القيم المصرية الأصيلة، في طليعة من يتولّى المسؤولية فيها، في هذه المرحلة الحرجة، التي تنطلق فيها بعض دعوات الكراهية والعنف والإقصاء والتهميش، خصوصاً أنه سيكون الأقدر، على نقل صورة ما يجري في "المحروسة"، بأمانة ومهنية، إلى العالم المدرك لحجم تأثير ذلك على هذه المنطقة والعالم، ويقيناً أنه يحزّ فى النفس، مطالعة ما نشرته بعض الأقلام ذات الغرض، من معلومات مضللة ومغلوطة، للنيل من قيمة وقامة مواطن مصري، لايستحق غير الاحترام والتقدير.
البرادعي بين الحقيقة والادعاء
[post-views]
نشر في: 10 يوليو, 2013: 10:01 م