TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رجل الأمن المبدع

رجل الأمن المبدع

نشر في: 10 يوليو, 2013: 10:01 م

احد  شعراء الجيل التسعيني كان يعمل في زمن فرض العقوبات الاقتصادية على العراق ، في مطبعة تقع في منطقة البتاويين بجانب الرصافة من العاصمة بغداد ، لم يسعفه الحظ في نشر  "منجزه الإبداعي " في الصحف  اليومية آنذاك ،  لان  محرري الصفحات الثقافية  وقتذاك يرون قصائده  غير صالحة للنشر ،   على الرغم من ادعاء الشاعر بانه صاحب "مشروع كوني"   تخطى المنجز الشعري المحلي ، وترك الشعراء وراءه  بمسافة مئات الكيلو مترات، يلهثون  خلفه، لزعمه بانه متنبي عصره ، أما الاخرون فهم مجرد أرقام سوف تعلن انسحابها عاجلا أم أجلا من الساحة الشعرية.
بعد فشل محاولات الشاعر في نشر  قصائده ، قرر واستجابة لدعوة  زملائه طبع مجموعته الأولى وتوزيعها مجانا بين الشعراء و النقاد والباحثين والدارسين ، لكي يحقق أمنيته في إحداث زلزال بالمشهد الشعري العراقي ، وتضاف مجموعته إلى مجاميع أخرى صدرت في ذلك الوقت طبعت بطريقة الاستنساخ وبأحجام صغيرة ،  لان اغلب الشعراء من الأسماء المعروفة لم تتوفر  لهم فرصة طبع أعمالهم من قبل الجهات الرسمية لأسباب كثيرة ، من ابرزها أن قصائدهم  لا تنسجم مع الخطاب  الإعلامي الرسمي ، وتعكس  معاناة حقيقية لجيل كامل من الشباب العراقيين  خاضوا الحروب، وخرجوا منها بعاهات وخيبات امل، وشكلت المجاميع الشعرية الصغيرة ظاهرة في الحياة الثقافية ، بوصفها صرخة احتجاج  تجاوزت حدود سلطة الرقيب.
صاحبنا الشاعر ، وفر عمله على مقص الورق في المطبعة  الكمية المطلوبة لطبع مجموعته الأولى ، وسبق ذلك قيامه بحملة ترويج  واسعة بان المشهد الشعري سيشهد  تحول مابعد الحداثة ، وبعد طبع 50 نسخة قام  بتوزيعها ،  منتظرا ردود الأفعال ، متابعا ما تنشره الصفحات الثقافية عسى ان يجد فيها مقالة نقدية تتناول مجموعته بالدراسة والتحليل ، وخابت  آماله عندما نصحه احد النقاد  الاكاديميين بالابتعاد عن "الخريط"  والاهتمام  بتطوير أدواته   وإجادة قواعد اللغة ،  ومعرفة المرفوع والمنصوب والمجرور ، فرد الشاعر على  الناقد " انه غير معني بالنحو بقدر تهشيم اللغة  من خلال استفزاز مجسات المتلقي ، لفهم الخطاب الداخلي للنص ، وهذا ما أريد قوله في مشروعي الشعري " .
ابرز ما حققه الشاعر في مشروعه انه  اهدى مجموعته إلى احد منتسبي الأجهزة الأمنية المكلفين بزيارة المطابع لمراقبة  عملها،  خشية  قيامها بطبع أو استنساخ كتب ممنوعة ، وكانت عبارة الإهداء "إلى رجل الأمن المبدع  الأستاذ فلان الفلاني مع التقدير والاحترام " ومذيلة بتوقيع الشاعر ، والعبارة ذاتها  وجهت إلى الناقد المبدع ومدير المطبعة المبدع وعمالها ، وبائع الفلافل المبدع ، وسلسلة طويلة من المبدعين وصل عددهم إلى 50 شخصا  بقدر عدد  النسخ المطبوعة.
الاكتشاف الوحيد أو الاستشراف المستقبلي المتحقق من مشروع الشاعر الذي اعتزل كتابة الشعر و أحال نفسه للتقاعد بعد انضمامه لاحد الأحزاب السياسية الحالية اشارته إلى وجود "رجال امن مبدعين " بالإمكان تسخير جهودهم في الوقت الحاضر لتحسين وتطوير إدارة الملف الأمني .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: ليلة اعدام ساكو

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

العمود الثامن: ليلة اعدام ساكو

 علي حسين الحمد لله اكتشفنا، ولو متاخراً، أن سبب مشاكل هذه البلاد وغياب الكهرباء والازمة الاقتصادية، والتصحر الذي ضرب ثلاثة أرباع البلاد، وحولها من بلاد السواد إلى بلاد "العجاج"، وارتفاع نسبة البطالة، وهروب...
علي حسين

قناطر: المسكوت عنه في قضية تسليم السلاح

طالب عبد العزيز تسوِّق بعضُ التنظيمات والفصائل المسلحة قضية الرفض بتسليم أسلحتها الى الدولة على أنَّ ذلك قد يعرض أمن البلاد الى الخطر؛ بوجود تهديد داعش، والدولة الإسلامية على الحدود مع سوريا، وأنَّ إسرائيل...
طالب عبد العزيز

ناجح المعموري.. أثر لا ينطفئ بعد الرحيل

أحمد الناجي فقدت الثقافة العراقية واحداً من أبرز رموزها الإبداعية، وهو الأديب ناجح المعموري الذي توزعت نتاجاته على ميادين ثقافية وفكرية متعددة، القصة والرواية والنقد والميثولوجيا. غادرنا بصمت راحلاً الى بارئه، حيث الرقدة الأخيرة...
أحمد الناجي

من روج آفا إلى كردستان: معركة الأسماء في سوريا التعددية

سعد سلوم في حوارات جمعتني بنخبة من المثقفين السوريين، برزت «حساسية التسميات» ليس كخلاف لفظي عابر، بل كعقبة أولى تختزل عمق التشظي السوري في فضاء لم تُحسم فيه بعد هوية الدولة ولا ملامح عقدها...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram