TOP

جريدة المدى > عام > الشاعر الكردي كريم دشتي..ستراتيجية النسيج النصي وحركة الدوال

الشاعر الكردي كريم دشتي..ستراتيجية النسيج النصي وحركة الدوال

نشر في: 14 يوليو, 2013: 10:01 م

من الشعراء الكرد الذين احترقوا بنار الشعر منذ أكثر من ثلاثين عاماً الشاعر كريم دشتي، لقد واصل هذا الشاعر في مشغله الشعري وفي محرقة الشعر ومختبره المعرفي والفلسفي الشخصي، لفتت انتباهي قصيدته- لَعِبُ النار والوجد والكتاب- المنشورة في مجلة الجسر العدد-3

من الشعراء الكرد الذين احترقوا بنار الشعر منذ أكثر من ثلاثين عاماً الشاعر كريم دشتي، لقد واصل هذا الشاعر في مشغله الشعري وفي محرقة الشعر ومختبره المعرفي والفلسفي الشخصي، لفتت انتباهي قصيدته- لَعِبُ النار والوجد والكتاب- المنشورة في مجلة الجسر العدد-3- التي تصدر عن دار الثقافة والنشر الكردية / وزارة الثقافة العراقية- وقد جاءت القصيدة بترجمة المترجم البارع المهندس محمد حسين رسول، حسب لغة القصيدة وحركة أفعالها الشعرية- الدلالية والمعرفية والصوتية، تتمثل حركة الفعل الشعري في توريد المعاني ورسم ستراتيجية البنية النصية للدوال الثلاثة- النار والوجد والكتاب- وينسب الشاعر في الاستهلال حركة كل دال الى مآلهِ إذ تتداخل حركات الدوال فيما بينها لتتركز في بؤرة نصية تتمثل في مرآة الاتقاد والأنطفاء، وتشكلّ هذه المعادلة التضادية ستراتيجية قراءة حفريات النص وشؤون العقل الشعري، تبتدئ الحركة الأولى من ثنائية صراع وجودي بين النار والكتاب والوجد الشخصي، إذ تتعالق حركات هذه الأيقونات الرمزية في بؤرة ستراتيجية الرشح الدلالي، الكل في مواجهة الجزء وبالعكس في لعبة درامية بانورامية، يشتغل الشاعر فيها على ستراتيجية كتابية تَشظّي العلامة النصية في بناء عمارة الشعري للنص وتوريد وإرسال أنساقه الشعرية في صور ملتاعة تتلامع في كل منطقة من مناطق النص، صور أخاذة جديدة ومتميزة تحيل إلى الوعي الحاد للذات الشاعرة لبلوغ مسعاها في اصطياد الروح الشعري من تعالق العلاقات اللغوية بين طبقات النص ونسيجه البنيوي وترشيح هيكلية العلاقة الثنائية في ترتيب فعل النار مع الكتاب والكتاب مع الوجد الشخصي للأنا بحساسية شعرية عالية، تتوق إلى التواصل الثيمي بمحمولاتها، وتنبئ العلاقة اللغوية الجديدة عن قيمات شعرية مستثمرة لمفردات النفس والطبيعة وعناصر الكون، إذ تؤول هذه العلاقة إلى بناء نص شعري برؤية كونية توظفها الرؤية الشعرية لصالح محتويات الدلالة الإنسانية المكثفة وارتباطها بالوعي الفردي الشخصي، إذ تنفتح الدوال وحركاتها على آفاق سحرية في جديد التركيب اللغوي والصوتي وإحالات الماضي والتاريخ والوجد وشعرنتها، إن تكرار مفردات – النار والكتاب والوجد- ذات نسق خاص هيولي بنيوي إيقاعي يهيج إحالات المعنى إلى لذائذ تستقر في الروح الشخصي وترشح عن الروح الشعري، " النار والكتاب ووجدي كلُّ جاء من مملكة / يعودون إلى اللهيب والنور/ إنهم من سلالة الاحتراق كلُّ جاء من شرارة/ مرّتْ على موقد المحبين/ كلُّ ولحنهُ/ تناثر في القلوب الخالدة" تتلمس القراءة هنا حركة القص الشعري في عتبة النص القائمة على الفعل الماضي " جاء" في قدرة الحياة على الابتداء من قدحة ما في الوجود بفعل عناصره وأشيائه، بفعل شرارة النار كعنصر لتوليد وطبخ الدفء والنور معاً والكتاب كعنصر معرفي أبستمولوجي يؤسس لكيان العرفانية والتناص مع الآخر في ديمومته الحياة والمعرفة والعلم والوجد كعنصر كياني شخصي نوستالجي تتخذ هذه العناصر كل هذا الامتداد بالتوازي تارة والتضاد أخرى والتلاقح والاتقاد والانطفاء تارة اخرى، وتسعى على خلق ذواتها من هذه العلاقة الفيزيائية المركبة وقناع لحركة الحياة، والتوق إلى التواصل الحسي وعلاقات الذات الشاعرة مع الطبيعة والأشياء وخطورة الدخول إلى مُركبّ هذه العلاقة الهيولية وسوبرمانية حركة أفعال النص، إذ يجوس الشاعر بحواسه كل مناطق الحياة، حتى يحتم عليه، أي على الشاعر أن " يفتح حواساً أخرى" حسب لوركا، إن التكرار في النَّص بنية مُركبّة ليس الهدف منه تكرار الملفوظة بل هو تأكيد لإحساس ذاتي بالحالة الخاصة بوجده ومدى تعلّقه بالنار والكتاب معاً، بالهياج العارم في اللامُعقلن التكويني للملفوظات التي تضخّ شعريتها من الداخل: " النار والوجدُ والكتاب / كلُّ رشف من شراب/ شرب مغزى الوجود من زير السَّديم / كلُّ يُسيءُ ملاك أخفى فيضَ أسرار إلهية/ بين خوافيه والقوادم.. النار والكتاب ووجدي/ أصدقاء البعض الغابرين/ ولكن لايتواصلون/ لايفشون سِراً وحيداً لبعضهم/ واحدهم بلسان الجذوة/ والثاني على ظهر الورق/ والآخر جوف القلب/ يقرؤون آبادَهم....." يتحرك الشاعر في بناء نصّه في ما يُشبه لعبة التذوق اللفظي وأستساغ الصوت والمعنى للملفوظات الدوال التي ينبني عليها هيكل النص وسروداته البنيوية، وسيحضر الشاعر كل آهاته ومواجعه في توريد وبناء أنساق النص وهيكلته وسيميائيته حيث تنتظم حركة الدوال في علاقات التواشج والخصيصة العلاقاتية لتتمظهر من خلال شبكة الدلالات ويتناثر اليومي والذاكراتي عبر استعادة الحدث ببلاغة اللازمة الملفوظاتية التي تتماشى مع معطيات الحادثة النصية إذ يرسل الشاعر مشاهد متقدة من الأفعال الحسية المنوطة بالدوال الثلاثة وحضورها الرمزي والأيقوني وتذويب الأنساق التخيلية للمداليل: " يبتأسُ الوجدُ/ ينطفئ حسرةً/ تخمد النار/ ينطفئ للأبد/ وحين تُفتح الكتبُ بين أيدي الأشرار/ كل سطر يمحو سطرَ ما قبله/ النار تُحرق الكتب/ مثلما أحرقَ الوجدُ عمومَ قلبي/ الكتبُ تطفئ النيران/ مثلما أشعلَ الوجدَ عمومي../ الكتبُ ملأى بالنار آه الكتب مَوقِدُ الأجيج/ النيرانُ موقدُ الكتب/ الوجدُ مليئٌ بالصداح آه الوجد موقدُ الهموم.... في لهيب نار / رأيتُ ألفَ كتاب يُحدش عن شُعِّ الوجد في ضباب كتاب / رأيتُ ألف نار/ تحسوا شراب الوجد ....." تتواشج العلاقات الصورية بمعامل اللغة الشعرية بين حركة الدوال وتقليب أفعالها وانعكاسها التغريبي والغرائبي، حتى تذويت النسق الدلالي، إذ يحرص الشاعر هنا إلى مدّ خيوط الشعرية بين طبقات النسيج الداخلية التي يخفيها المخيال الشخصي، حيث تتمظهر صور المواءمة بين آفعال الدوال وحركة الدلالات تارة، والأنفصام في وظائف الدوال لتبديد المألوف الذاكراتي لصور وفعاليات الرموز تارة اخرى: " الوجدُ مليء بالأساطير/ تضئ الدنيا ألفاً/ الكتاب ملئ بالكلم/ تجعل الدنيا ناصعة البياض/ النار مليئة بالجُذى/ تجعل الدنيا حالكة السواد.... / الوجد يواسي المحبين/ الكتابُ يُقوِّمُ تأوّد الذهن/ والنار تعصل الحقائق" يكتشف الشاعر عن تقانات جديدة في اشتغاله الشعري في هذا النص الذي تتراكم في طياّته الرؤى الميتافيزيقية بطاقات الملفوظات الأيحائية الحادة من خلال نزع غلاف المفردة من ذهنيتها وإلباسها حسيتها لأستكناه اللاشعور الذي يجمع بين الواقعي والمتخيل لتجسيد شعرية الصورة والمعنى والتشكيل السردي المقتطع في بصريات النص المتشظية والتي تشكل هيكل النص البانورامي الكلي حتى بلوغ الدّال إلى أنسنتهِ وسحريته النثرية المتواشجة مع شعرية التصوير والتخييل: " قال الكتاب افتحني/ أعطيك وجداً طاهراً أبيضَ/ قالت النار أشعلني/ أعطيك كتاباً كالفحم أسودَ/ وقال الوجد أروني/ أُريك جنةً ملأى بالعشق...... الكتاب والنار صديقان لايعرفان البعضُ بعدُ/ لا يحييان بعضهما/ بل يُريعان البعض/ الكتاب والنار عدوان/ يتعانقان دوماً/ والوجد يُشرع لكليهما البابَ..." تَنتجُ رؤيا الشاعر الشخصية تاريخ وصور الدوال " النار والكتاب والوجد" وتمتزج هذه الرؤيات ليتداخل بين اليومي والتاريخي، بين الحلمي والكوني بين الألم والأنشراح، بين الخلاص والأنعتاق والقسر والعذاب، في ملحقات الوجدان الأنساني وترسيخ الوشائج الحسية الميتافيزيقية والفيزيقية التي تفيض منها الانفعالات الشخصية كمدرج للإقامة في شعرية- الوجود: " حين جاءت الرّيح بشرارة نار أشعلت كلّ كتب الكون/ حين جاءت الريح بصفحة كتاب / أشعلت نار الوجد / وحين جاءت الريح بالوجد/ أخذتْ كلَّ المحبيّن إلى قراءة التوحّد " يحرص الشاعر على تجسيد فكرة الحياة ثقافياً في مركز المدار النصي وبؤرة النص الشعرية، في تقاسم أدوار فاعلية وفعاليات الدوال، معرفياً وبصرياً وميتاجماليات أسطرة المعاني في الجوهر اللغوي، وتترادف صور الكينونة بالتكرار الأبدي للرمز في كل واقعة لأستعادة المعنى واستيعاب الشعر لها، في عتباتها وتشكلاتها مع الأسطورة التي تنحو بتأويلات النار وعلاقاتها الحاضنة والطاردة للكتاب، وتأويل الكتاب وعلاقته بالكلم والوجد واتصالهما الثلاثي بالنار وانفصام شبكة هذه العلاقة في وظيفة الريح وسلطاتها التدميرية، " إن الشعر في هذا النص يرسّخ المغاير والمختلف واللامألوف وفي الوقت نفسه يشوّش المألوف كما قال هايدجر" وفي قول آخر لريتا عوض: الشعر في أعلى مستوياته أسطوري.. وهو الكلمة التي تبدع الوجود، هذا ما يستعيره الناقد ناجح المعموري في قراءته لشعر الشاعر عبد الزهرة زكي- ونستعيره هنا للفائدة الكبيرة في قراءتنا لنص – لَعِبُ النار والوجد والكتاب – للشاعر كريم دشتي، وبهذه الرؤيا للشعر نتلمس الشحنات الرمزية والعلامات التشجيرية لهيكلية النص وعمارته الشعرية... إن الشاعر يراهن على تشظيات العنونة الرئيسة للنص والأشتغال على ثنائيات رمزية الفواعل النصية المتكررة والمتمشهدة بصرياً من تخصيب الملفوظات الحسية والانتلجنسيا وجماليات المفردة الأيقونية والعرفانية والغنوصية الكامنة في الدّال- الكتاب والوجدانية الحدسية الحسية- الوجد، والتدميرية- النار، ولعب كلّ منهم على الآخر...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة
عام

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

حاوره علاء المفرجيهاتف جنابي؛ شاعر وكاتب ومترجم للأدب البولندي إلى العربية والعربية إلى البولندية. نشأ وتعلّم في مدارس العراق، وفي سنة 1976 توجّه نحو بولندا، لإكمال دراسته، ومن ثمّ للعيش فيها. منذ ذلك التاريخ،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram