يسعى المروجون للإسلام السياسي، وأحقية الإخوان في حكم مصر، اعتماداً على نتائج صناديق الاقتراع، متجاهلين فشل التجربة التي تصدّرها محمد مرسي، لعقد المقارنات قسراً بين ما يجري في مصر اليوم، وما كانت شهدته تركيا من تجاذبات، بين سطوة العسكر والتوق للحكم المدني الديمقراطي، مع محاولات للقفز على حقيقة الاختلاف بين دور وواقع العسكر في البلدين، ويركّزون على التشابه بين الدولتين، من حيث الدين والعلاقة مع أميركا وإسرائيل، ويستحضرون إلى الذاكرة انقلاب كنعان ايفرين قبل 33 عاماً، ويدلّلون على التشابه بالاستنكار الذي أعلنته أنقره، لما شهدته مصر من تطورات.
يسعى هؤلاء للتشكيك بموعد ولادة الثورة، التي أوصلت الإخوان إلى سدّة الحكم، باعتباره مخالفاً لمنطق الثورات، وأنها وُلدت خداجاً، حيث صحبها انقلاب عسكري بحُجَّة حمايتها، بينما الهدف هو الحفاظ على النظام، والتضحية برأس القائد، ما أسفر عن انتصار صوري للثورة الشعبية، أعاد المحتجين الى بيوتهم، وترك للعسكر فسحة من الوقت لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي، حيث " انقلب "جنرالات مبارك" ضد أول رئيس ينتخبه المصريون بحرية، وهم هنا يسعون لتأكيد نظرية المؤامرة، التي ينبغي تذكيرهم بأنه شارك فيها، ما يقرب من ثلاثين مليون مصري.
يُعيد أنصار الإخوان فشل مرسي، إلى انعدام الإحترام لقواعد تنظيم الخلاف بين قوى الثورة، على اعتبار مشكوك بصدقيته، بأن تنظيم الإخوان محسوب عليها، ولم يلتحق بقطارها إلاّ بعد تيقنه من انتصارها، وهم يرفضون توصيف ما قام به خلال ستة من الحكم، بغير أنه مجرد أخطاء يسهل التراجع عنها، في حين يعتبرون أن ما قامت به القوى الأخرى، كان خروجاً على جوهر العقد الاجتماعي، الذي انبنت عليه الثورة، وهدماً لأركان الديمقراطية المصرية الوليدة، التي تسوعب الجميع، ويسهّلون الأمر بالقول، إن الاخوان أخطأوا التقدير، بسعيهم للاستئثار بالقرار، وهذا ناجم عن نقص في الحكمة السياسية، ولم يكن خروجاً على الشرعية الديمقراطية، التي جاءت الثورة لوضع أسسها.
لايُنكر المتحمسون لتجربة مرسي، أن إدارته عجزت عن توفير الخدمات الأساسية للمواطن، وأنه بتوجيه من المرشد، عمل على الاستفراد بصياغة المرحلة الانتقالية دون توافق، لكنهم يرون ذلك مجرد قضايا جانبية، لاتستحق عودة الثوار إلى الشوارع، وأنه كان عليهم الانتظار ثلاث سنوات من التخبط والاستفراد، حتّى أن المُنظر الأكبر، الشيخ القرضاوي، طالب المصريين بالصبر على حكم الإخوان ثلاثين عاماً، كما فعلوا مع مبارك، وإذ لانرد عليه، فلأن إبنه تكفل بذلك، وقال في رسالة منشورة إن جيلكم هو من خنع، وأن أجيال الثورة الجديدة والمتجددة، خرجت من جلباب القديم، بعد أن بلي، ولم يعد صالحاً للاستعمال.
وبعد، فإن اتهام الثوار وجبهة الانقاذ بالسذاجة، بحيث أنهم سلَّموا مصر إلى أعتى مؤسستين مصريتين، وهما الجيش والمحكمة الدستورية العليا، وحوّلوا ميدان التحرير إلى مطية للطغيان والدكتاتورية العسكرية، ليس أكثر من لغو لايستحق التوقف عنده، وعلى المدافعين عن حكم الإخوان، إدراك أن تجربة سنة لهم في الحكم، أثبتت فشل الإسلام السياسي في إدارة الدول، كما أثبتت أن الشعوب العربية باتت فاعلةً وممسكةً بمصائرها، وأنه ليس أمام الإخوان غير الخضوع للإرادة الشعبية، والنأي بتنظيمهم عن دعوات المغالبة، المؤكد أنهم سيكونون فيها أكبر الخاسرين، لأن ما جرى في مصر مؤخراً، كان ثورةً وليس انقلاباً.
مصر.. ثورة أم انقلاب
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2013: 10:01 م