من على شاشات التلفاز شاهدنا شباب مصر وأبناءها كما وصفتهم الأغاني والأشعار يسيرون أحراراً، تشغلهم أسئلة التغيير والسعي إلى مستقبل أفضل.. شاهدناهم كيف استطاعوا أن يجمعوا الملايين تحت راية حب البلاد.. وأنا انظر إلى شباب حركة تمرد، تساءلت مع نفسي ما الذي يمنع شباب العراق من أن يقفزوا بالبلاد إلى قطار التحضير والممارسة السياسية المحترمة؟.. هل يستطيع شبابنا أن يكونوا جزءاً من مشروع التغيير الذي بدأت بشائره في مصر؟
لعل ما جرى في حملة "تمرد" يجعلنا نعيد السؤال مرارا: لماذا ينبت التغيير في بلدان العالم وروداً للبهجة والإقبال على الحياة، بينما تحوّل في العراق إلى سُحب من الكآبة والخوف من المستقبل المجهول؟.. للأسف الطبقة السياسية في العراق لم يشغلها المستقبل بقدر انشغالها بالماضي، لقد تحول العراق إلى غرفة مظلمة يبحث ساستها في داخلها عن شيء اسمه هوية العراق، وكأن آلاف السنين من الحضارة غير كافية لنعرف هوية البلد، اليوم ننظر في وجوه الناس فنراها شاحبة ومتعبة، مسكونة بتجاعيد الخوف من المستقبل، والسبب سياسيون يمارسون الدجل والخديعة وسرقة أحلام المواطنين، وكل هذا يدفعنا إلى أن نتضامن مع الدعوة التي وجهتها المدى قبل أيام من اجل تجديد الطاقة الخلاقة عند شبابنا العراقي، والسعي لخلق ظروف تتيح معافاة الحياة السياسية في البلاد، واستدراجها إلى مسارات التقدم والتطور.
يستطيع شبابنا - إن أرادوا ــ أن يستلهموا من تمرد المصرية ليحولوا الاحتجاج العراقي إلى لوحة رائعة للمواطنة الحقيقية، والتعبير برقي عن مطالب باتت محل اتفاق جميع شرائح الشعب، وأظن أن لجوء الناس إلى التظاهر في الشارع أمر منطقي للغاية في بلد لديه برلمان صامت، وساسة أداروا ظهورهم للناس! ناهيك عن أن سياسيين لا يمثلون إلا أنفسهم وربما بعض أقاربهم من الدرجة الأولى، وبالتالي يصبح من حق الشعب أن يمثل نفسه بنفسه، طالما لم يتمكن من ممارسة حقه في الحصول على الخدمات والحرية.. علينا أن نستمد من تمرد شباب مصر، طريقة كي تنبثق لدينا حركات احتجاجية جديدة، تتخطى فشل التجارب الحزبية. اليوم نحتاج إلى أصوات المثقفين وأساتذة وطلبة الجامعات ليتحدوا خلف هدف واحد "الحرية".
سيقول البعض ان حجم الضغوط التي يتعرض لها العديد من المثقفين والإعلاميين وأصحاب الرأي والشباب في العراق، لامثيل لها في بلدان اخرى، وان الحرب ضدهم شرسة، والابتزاز وصل إلى أقصى مراحله، ناهيك عن الترويع والتهديد، لكن هل يعني هذا اننا يمكن أن نشجع ظاهرة " الصمت " الذي يسميه البعض أضعف الإيمان في هذه اللحظة العصيبة والصعبة.
الذين يصمتون اليوم، يضحون بأنفسهم وبمستقبل أبنائهم، في الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يحمون ذاتهم، إنما يطعنون أجسادهم بأيديهم، الذي يؤمن بفكرة عليه أن يدافع عنها بكل الوسائل والسُبل، الصمت الآن هو نوع من الاعتراف بضعف القدرة، وعدم احترام لعقول الناس، الصمت واللامبالاة لن يعطيا صكاً بالنجاة، لمن يريد ان يفـر من سفينة يعتقد أنها تغرق، المواقف لا تكون مواقف إلا في لحظات الاختبار الحقيقية.. ولا تكتسب مصداقيتها إلا في أوقات التحديات.
علينا أن نعلم الناس أن تضحيات شباب مصر وآلامهم وصبرهم، أثمرت ثورة شعبية لم يشهد لها العالم مثيلا.. أن نقول للعراقيين جميعا إن أشقاءهم في مصر هم أبطال هذا العصر، الذين ربحوا معركة الحياة.. علينا في هذه الايام أن نستعيد هتاف الجواهري، وهو ينادي الجموع الغاضبة في ميدان التحرير حيث تبدأ جزيرة الثورة بامتداد شوارع وسط البلد، هناك حيث اعتصم المطالبون بالتغيير يسمعون صوت شاعر العرب مجلجلا:
مشت القرون متمّمات سابقٌ منها.. يحدّث لاحقاً ويخّبرُ
يصل الحضارة بالحضارة ما بنى.. فيك المعز وما دحى الإسكندرُ
وتناثر الجمرات حولك نابغ.. يخفى وآخر عبقري يظهرُ
اليوم ونحن نطالب باستلهام ثورة شباب مصر، علينا أن لا ننسى الموقف الداعم لهؤلاء الشباب، وان نتفاعل مع إرادة أبناء النيل.. وان نتحرك جميعا إلى كشف زيف الذين يشككون بهذه الثورة ويعــدّونها إنقلاباً على رئيس منتخب مثلما أتحفنا السادة في الحزب الإسلامي العراقي ومعهم سدنة الأحزاب الدينية.. متناسين أن مرسي " المنتخب " لم يسعَ إلى ترسيخ سلامة مصر وأمنها ومكانتها، وكان تابعاً لمكتب الإرشاد وليس رئيساً لشعب.. ايها السادة توقفوا عن التغريد خارج السرب، لقد أنهى شباب مصر عهود الفراعنة بلا عودة.. وعلينا في العراق أن نُنهي عصر " القائــد الضرورة ".
لتكن " تمرد " قدوتكم
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...