قفز الإسلام السياسي، لا الدين الإسلامي، إلى واجهة الأحداث في عالم اليوم وتصدر المشهد لا في العالم العربي وحده، بل في جميع أنحاء العالم بدرجات متفاوتة، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وانحسار اليسار في العالم وضعفه الماثل، وكانت هجمة أسامة بن لادن على برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 تاريخاً فاصلاً في مسيرة الإسلام السياسي لأنها مثلت ذروة العنف الإسلامي المنظم ضد "ديار الكفر" في العالم ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية التي صنعت الجهاد الإسلامي المسلح في أفغانستان لإسقاط النظام الشيوعي صنيعة السوفييت، آنذاك، لينقل التنظيم الإسلامي المسلح أسلحته إلى الجهة التي صنعته في تلك الهجمات المعروفة.
ازدهرت ثقافة العنف والتكفير التي كان سيد قطب أحد روادها منذ الخمسينات وله أكثر من كتاب في تكفير ونقد الشخصيات الإسلامية التاريخية التي وضعها في خانة الخيانة والنفاق مثل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعد النظم الوضعية المعاصرة التي جعلت من عبادة الأشخاص بديلاً من عبادة الله والالتزام بالشريعة الإسلامية.
كتاب سيد قطب (معالم على الطريق) يستولي على الأفكار المخالفة برمتها ويحيلها خارج فكرته لأنها تتناقض معها، فهو يضع خريطة طريق باتجاه إقامة دولة الخلافة الإسلامية كما جاءت توصيفاتها وقوانينها وفقهها قبل حوالي الف وأربعمئة سنة.
يوجه سيد قطب سهام نقده الحادة إلى الزمن كله: الماضي والحاضر والمستقبل، لأنه ليس زمن فكرته، وهو الزمن الذي يضع له خارطة طريقه في كتابه الشهير (معالم على الطريق).
يدعو سيد قطب الجميع، المؤيدين والمعارضين لإقامة الدولة الإسلامية على وفق مبدأ العبودية لله وحده، أي أن أية سلطة قائمة هي سلطة العبد على العبد والخضوع لها أو القبول بها إنما هو نوع من جعل البشر أرباب بعضهم، من دون الله.
الماضي (الجاهلية) هو زمن الأصنام المؤلهة والقوانين الجائرة والمخجلة بشأن النكاح وسواه، والحاضر هو زمن القوانين الوضعية (صناعة بشرية لا إلهية توحيدية) والمستقبل رهن بتطبيق الشريعة على وفق القرآن والسنة وكل تعامل نظري أو ثقافي مع الشريعة، على أنها نوع من الفكر، إنما هو خطر شنيع يهدد الحركة الإسلامية، فالرجل يحاجج على أساس نفي أية فكرة أخرى وإقصائها، في معرض الحوار أو الجدل أو المقارنة، لأن الفكرة الإسلامية فكرة كلية إلهية وكل فكرة أخرى، عداها، هي جزئية بشرية، فلا يجوز مقارنة الكلي بالجزئي، والإلهي بالبشري.
يحذر سيد قطب بشدة من أي فهم لفكرة الدولة الإسلامية نظرياً، أو ثقافياً، شأن أية فكرة أرضية، بشرية، وضعية، ففي هذا يكمن الخطر الكبير على الدعوة ودعاتها وسائر مستقبل الإسلام والمسلمين، ومن أجل إقامة دولة الشريعة يؤمن سيد قطب بالقتال، ويخصص صفحات كثيرة لفكرة العنف بأسماء وتعابير وصيغ عديدة:
(والذي يدرك طبيعة هذا الدين – على نحو متقدم – يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف – إلى جانب الجهاد بالبيان – ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية – بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح "الحرب الدفاعية" كما يريد المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير "الإنسان" في "الأرض").
ولما كان الله رباً للعالمين فهو ليس رباً للمسلمين أو العرب وحدهم، فالحرب الدفاعية ينبغي أن تشمل العالم كله لحماية المجتمع الإسلامي من أعدائه الخارجيين "بعد أن ينشأ تجمع عضوي حركي آخر غير التجمع الجاهلي الذي يستهدف الإسلام إلغاءه".
معالم على طريق سيد قطب
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2013: 10:01 م