TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مسرح المقهورين أو المسرح المضطهد!

مسرح المقهورين أو المسرح المضطهد!

نشر في: 15 يوليو, 2013: 10:01 م

في النصف الثاني من القرن العشرين ظهرت تسميات مختلفة لتيارات مسرحية مختلفة نذكر منها: مسرح الغضب ومسرح الصمت ومسرح المقهى ومسرح الشمس ومسرح العصابات وآخرها مسرح المقهورين او مسرح المضطهدين.
مسرح المقهورين تسمية اطلقها البرازيلي (اوغسنوبوال) بما يخص عمله المسرحي في بلدان أميركا اللاتينية، وقد بدأ عمله ضمن حملة محو الامية في البيرو عام 1973، ومن تلك التجربة تكونت لديه نظرية وجماليات حول المسرح نشرها في كتاب سماه (مسرح المقهورين) عام 1975 ثم اصدر كتابا آخر بعنوان (العاب للممثلين وغير الممثلين) واصدر كتاباً ثالثاً بعنوان (قف، انه سحر) وذكر فيه تقنيات مسرحية.
انطلق (بوال) من تفكيره ان لجميع نشاطات الإنسان علاقة بالسياسة، وان المسرح بهما تكن طبيعته ونوعه وأسلوبه فهو مسرح سياسي، ولذلك وضع لعمله منهجاً قصد به مشاركة الجمهور في العمل المسرحي (كونهم مراقبين) في تعريف الروابط بين المشاكل الثقافية- الاجتماعية والضغوطات الاقتصادية والسياسية وأنواع القهر الداخلي الذاتي وتحويلها الى دراما واستطاع (بوال) ان يوسع تلك المفاهيم بالتعاون مع مسارح متنوعة ومن خلال مشاريع مجتمعية في اوائل السبعينات وتطبيق هذه المفاهيم في سبعين بلدا من بلدان العالم تقريباً هذه الايام.
كان لمنهج التعليم الذي طرحه (بوالوفريير) والذي يعتمد على المشاركة في عملية التعلم، ذلك المنهج الذي طوّره في القسم الشمالي الفقير من البرازيل، هو مصدر الهام لبوال.
يناقش كتاب (بوال) الاول المنشور باللغة الاسبانية والذي ترجم الى ما يقارب خمسة وعشرين لغة، بأن الناس المقهورين او المضطهدين يمكن ان يتعلموا كيفية تغيير ظروفهم وذلك بالاكتشاف الفعّال لطبيعة ما يتعرضون له من قهر واضطهاد، اكثر من ان تقول لهم ما يجب ان يكونوا.
وكانت نصيحة (بوال) الى المسرح السياسي وفنانيه تقول (تستطيعون ان تعلموا ان تعلمتم انتم فقط).
ويكمل (بوال) النصيحة قائلا: (لا تظهروا للناس ما هو خطأ بل استخدموا مهاراتكم لجعلهم يكتشفون الخطأ بأنفسهم).
ترعرعت البرامج الأولية وتم استيعابها في مناخات الأنظمة الديكتاتورية من اجل إيجاد ممرات للاحتجاج والحراك الاجتماعي وفي مسرح (المناظرة والنقاش) الذي دعا اليه (مارتن) في النصف الاول من القرن العشرين، يقوم الممثلون بتحويل المشكلة الشائعة في المجتمع الى دراما ثم يقدمون المشهد مرة اخرى مع عضو من اعضاء المجتمع ليتولى تمثيل الدور الرئيس (بروتاغونسن) مرتجلاً حلولاً عبر حوار مع الممثلين الآخرين من الجمهور، لقد نشأ المسرح الخفي او السري من الحاجة الى ذلك  المجهول الذي سبق وان أبعد الى الأرجنتين والذي عانى من انقلاب عسكري سنة 1976، وقد عرف (بوال) ان من الصعوبة بمكان إقامة احتجاج علني وصريح وبدلا من ذلك دفع الممثلين لمسرحة مشاهد تعرض في الاماكن العامة، وتحتوي تلك المشاهد موضوعات عن التمييز العرقي او الطبقي، وذلك لغرض اثارة الجدل حولها مع زرع عدد من المشاهدين، ليتدخلوا ويوجهوا التعليقات وعندما ابعد (بوال) الى اوربا عام 1979، قام بتطوير تنويعات اضافية لمسرحه، ومنها التركيز على الاضطهاد الداخلي والضغوط النفسية للمواطن، وبعد عودته الى البرازيل عام 1986- عند اعادة الديمقراطية للبلد، قام التصنيف الشرعي لحقوق المواطن وواجباته.
وقد أوضح ذلك في كتابه (قوس قزح الرغبة) عام 1995 انتقد (بوال) منهج ارسطو التراجيديا واعتبره منهجاً قسرياً واقترح هدفاً جديدا هو التوعية بدلا من التطهير الارسطي، وتجاوز نظرية (برتولد بريخت) حول المسرح الملحمي ودعا الى تغيير الواقع بدلاً من محاكمته التي دعا اليها بريخت.
يعتمد مسرح المقهورين على المشاهد القصيرة التي تتعرض محادثة معينة او واقعة معينة تشكل نقطة انطلاق للعرض الذي يتطور وفقاً لردود او استجابات المتفرجين وتفاعلهم مع ما يطرح مما يحّول المكان المسرحي الى منبر للنقاش ولابد من وجود شخصية تدير اللعبة وهي شخصية (الجوكر) وهي شخصية مقتبسة من مسرح القرون الوسطى والجوكر شخصية متنوعة تتحول الى شخصيات اخرى ووظيفتها في العرض هي التحريض على النقاش وبرأي (بوال) فان ذلك النقاش هو الذي يخلق الوعي لدى المتفرج. كما ان مشاركة المتفرج في العرض يحرره من الالتزام بعلاقته مع الجماعة ليتخذ موقفاً فردياً مستقلاً.
وهنا لابد من الاشارة الى ما سمي (المسرح التحريضي اغيتبروب) وهو مسرح سياسي يقدم قضايا اجتماعية ملحة من وجهة نظر احد الانصار بواسطة تقنيات بلاغية جريئة بقصد ايصال معلومة الى الجمهور وتحريكهم وقد اطلق هذا المصطلح من قبل (قسم الدعاية والتحريض عام 1920 في حكومة الاتحاد السوفيتي سابقاً، وكانت الفرق المسرحية التابعة لذلك القسم تروّج لسياسية الدولة.
وفي دول اوربية اخرى ظهر مثل ذلك المسرح يتناول قضايا تمتد من المشاكل الصناعية الى عمليات الإجهاض وشرعيتها الى قضايا التميز العنصري، وفي الغالب من وجهة النظر الماركسية وكانت تلك الفرق تقوم بجولات في المدن وتقوم عروضها في الشوارع والساحات العامة وكانت هي الأخرى تعتمد على مشاهد درامية قصيرة تستمد موضوعاتها من الاحداث والصحف اليومية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram