في الصباح الذي تلا الليلة التي خطب بها مرسي "خطبة الوداع" الأخيرة كنا، أنا وصديقي أبو يوسف، في طريقنا لزيارة الشاعر عبد الرحيم الشويلي. سألنا سائق التاكسي المصري عن رأينا بخطاب مرسي، فأوحينا له أننا نريد ان نسمع منه. اختصر الأمر علينا بقوله ان الرئيس لاحق بسلفه حسني مبارك لا محال. إزاي يا باشا وده رئيس منتخب و "يجعر" بالشرعية؟ أضحكته مفردة "يجعر" وقال: هيّه دي اللي حتجيب أجله. مين هيّه دي؟ "الجعرة الشرعية". انتهى الضحك فانتقل السائق للجد وبدأ يحلل لنا ما سيحدث بطريقة لو يفهم ربعها أكبر مسؤول لدينا بالعراق لكنا بخير. قال السائق: من الغد (الجمعة 28/6) ، سنخرج للساحات. قلنا له: لكن الذي سمعناه هو ان تظاهرات التمرد ستخرج يوم الأحد 30/6، أليس كذلك؟ كان هذا قبل الخطاب. لكننا بعد ان سمعنا خطابه سيكون يوم الأحد بداية لعزله. وهل ستنجحون؟ لا نحتاج غير 3 أيام أو أقل. كيف؟ رسم لنا ما سيحدث بالمسطرة والقلم. وفعلا جاءت الأحداث متسلسلة كما رواها وراح مرسي بشربة ميّه.
بعد عزل مرسي قصدت مقهى شعبيا لأستطلع آراء الناس بما يحدث على الطبيعة. كنت بالتاكسي، أيضا، فمررنا على تظاهرة صغيرة لأنصار "الشرعية" التي يعتبرونها خطاً أحمر ومن دونها على الدنيا العفا. مد السائق رأسه وصاح بالمتظاهرين: يا دي الشرعية اللي حتخرب بيوتنا. أعتذر مني لارتفاع صوته. قبلت عذره بكل ترحاب وسألته: بس قل لي يا ريّس هيه الشرعية تخرب بيوتكم إزاي؟
يا عم: الشرعية  الانتخابية زي عقد إيجار الشقة المفروشة بين الشعب وبين الحاكم. يعني لا مؤاخذة مش تمليك. ويبقى الشعب هو صاحب الملك. فاذا المؤجر أخل بشروط العقد لازم يسلم الشقة لأصحابها ويخرج فورا. الفرق الوحيد بين إيجار الشقة العادي والشرعية الديمقراطية ان العقد الأول يصدق بالشهر العقاري، وفي الديمقراطية يصدقه الشعب بالشوارع والميادين. فهمتني يا سعادة الباشا؟
نعم فهمتك وما قلته لي ينطبق عليه مثل عراقي يقول "الله انطاه والله أخذه". فالذي يعطي الشرعية هو الوحيد الذي يحق له سحبها متى شاء. أعجبه المثل وقال: فعلا حتى الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن تجده بعد حين ينسخ بعض الأحكام التي أتى بها. إحنا مش عندنا الناسخ والمنسوخ؟ نعم. ولأن الكلام هو كلامه، فالله وحده يحق له تغيير أحكامه. وكذلك الشعب هو وحده صاحب الحق في نسخ الشرعية. قصدك ان مرسي الآن "منسوخ" والشعب هو "الناسخ". بالضبط يا باشا. انت مش سايق تاكسي يا حاج، أنت فيلسوف ورب الكعبة. إحنا خدامينك يا بيه. قالها مبتسما وبنبرة لا تخلو من زهو. يطلع له.  
 سألني: بس قل لي هوه انتم بالعراق عندكو حكاية الشرعية زي دي اللي عندنا؟ نعم عندنا لكنها ليست عقد إيجار شقة مفروشة بل عقد زواج. سألني مبتسما: متعة ولاّ دائم؟ كان متعة أصبح دائما لكن بطريقة سياسية؟ إزاي؟ صار زواج "ولايات" متعددة. عفوا ما فهمت عليك؟ ولن تفهم، يا فيلسوف، حتى لو بقيت أشرح لك الوضع بالعراق حتى الصباح.
ودعت السائق بعد أن وصلت المقهى، فصرت أمشي وأغني مع نفسي:
يا ضوه "ولاياتنه" شعندك خبر؟