لقد فعلت كل ما في وسعك "من اجلنا"، وقد لجأت الى كل الحيل التي أتيحت لك معرفتها، لكنك لا تنجح. نحن نعلم هذا سيادة السلطان، ونعلم كذلك انك تمضي ساعات في مكتب القائد العام للقوات، اكثر من تلك التي تمضيها في مكتبك كرئيس وزراء، وتخصص وقتا للحديث مع الضباط، اكثر مما تقضي مع ملف الكهرباء. وكل هذا لتحاول ان تبدد حيرة رهيبة حول عودة الموت بهذه الطريقة، لكنك لا تعثر على جواب. ولأن الإجابات امتنعت فقد قمت منذ سنة بإسكات قاسم عطا الذي كان يحاول ان يطل علينا ليحاول تخفيف "الفضيحة" الأمنية. لكنك مثلنا، مللت من سماع اعلاناته الزائفة. ونتفق معك في ان السيد عطا لم يكن يتحلى بما يكفي من "الخيال الخصب". ولكن بين كل الجنرالات الذين تتحدث معهم، ألا يوجد من نجح في توضيح الأمر؟ ولأنكم لا تقولون شيئا، فإننا نحاول تخيل شكل حواركم بعد كل موجة ذبح. ولعلك مللت ايضا من ثرثرة العسكر حول انتحاريي القاعدة، وقدرتهم على الحركة الرشيقة بين كل مدننا، وإصرارهم على ذبح كل الطوائف؟ ام ان العسكر هم الذين بدأوا يشعرون بالملل من استفهاماتك؟
متى التقيت آخر مرة، قادة ٦ وكالات استخبارية مرتبطة بك؟ لا شك انك كنت تنظر في وجوههم وتتذكر كل تلك المليارات التي انفقناها على الأمن، كمن يشتري جبلا ضائعا. في وسعنا ان نتصور كيف ساد صمت طويل بينما كنتم تحدقون في التقارير: هجمات ضربت ٢٠ ملعب كرة، و٢٠ مقهى، و٢٠ مدينة، وقتلت ٢٠ طبيبا. لم ينتظروا منك ان تسأل عن مقتل مدرب كربلاء على يد "سوات"، وحاولوا ان يرددوا محفوظات حرب الارهاب. ولعلك رفعت يدك مقاطعا وأنت تحاول تخيل مشهد ذلك الصبي في كركوك الذي كان يلعب "الطاولي" في المقهى، وبلا سابق انذار نهض وتمتم "من رخصتكم شباب، اعذروني، بس لازم افجر نفسي" وقتل الجميع. ولا احد يوضح سر الموت، لا فريقك السياسي، ولا اولئك العرافون الذين ربما فكرت بالاستعانة بهم في لحظات اليأس.
لسنا سعداء بفشلك لأنه كان بثمن موت احبتنا. لكننا حين نخاف العقليات الانتحارية، نخاف اكثر من وصول حديثك مع العساكر الى طريق مسدود، لا لأنه أدى الى ان نموت وأنتم بلا تعليق، بل لأن الجنرالات حين يفشلون فسيورطونك بالاعتداء على المزيد من "الأهداف الوهمية". لم يعثروا على القاتل، فراحوا يملأون غرف الاستجواب بمعتقلين لا على التعيين، سبق ان اعتذر لهم الشهرستاني.وأنت علمت بأن السجون تحولت الى مصانع انتحاريين، وأن نمط عدالتك البدائي (وأنت لا تعرف غيره) قد حول ذوي الضحايا الى مشاريع انتحار، وجعل الإرهابيين اكثر جرأة، بينما تتفرج انت وجنرالاتك وتتساقط من جيوبكم مليارات ميزانية الدفاع، وتكتفون بالصمت على إهانة منظومة الدفاع الوطني وهزائمها.
آخر مرة تحدثت فيها انت عن هذا، كانت ليلة الاقتراع الحزينة، حين استدعاك البرلمان لتوضيح الانهيار، فامتنعت وتظاهرت بأن لديك معلومات "تقلب الدنيا"، ثم اكتشفت ان الدنيا تنقلب يوميا، وأنك بلا أية معلومات صالحة للتسويق. فالجمهور لم يصفق لك حين تخيلت انك ستكشف أمراً خطيرا في ملف الهاشمي ثم العيساوي. لقد كانت الاتهامات بكل ما أحاطها من هالة، عاجزة عن تفسير واحد بالمائة من الفشل الامني.
انت ساكت، لانك لم تعد تمتلك حكاية جديدة تصلح لتنويم الجمهور. مثل رجل يمسك بمقود سفينة تحترق، ويرفض الانصات لاحد، مختبئا تحت عباءة الصمت بينما يغطس الجميع. انت تعلم اننا نكره صدام والقاعدة، ونكره صمتكم المقرون بالفشل وهدر المليارات وشراء الدبابات. ام انك صرت متعايشا مع حقيقة ان عددا منا لا بد ان يموت كل يوم كي يمنحك فرصة اكبر "لإكمال طريق الحق"؟ ان سلاطيننا الغابرين آمنوا بذلك أيضا، ولكن ماذا يقول لك حلفاؤك الكبار الشرقيون والغربيون، حين تطلب معونة استخباراتهم لتفسير ما يجري؟ ام انهم يمتنعون عن مصارحتك ومنحك المعلومة الحاسمة، لأنك خيبت ظنونهم ايضا حين اضعت حبل التوازنات، فقد اردت فعل كل شيء، وخسرنا نحن كل شيء؟
نعلم ان قلبك مليء بالغيض، لكن الكراهية لن تحسم المعركة، فلسنا في عراك بين قبيلتين قرب قريتك او قرية جدي البعيدة. والمطلوب من رجال الدولة ان يبتكروا الحلول، وحين يصمتون فإنهم يغيبون في امواج التاريخ ليجري لفظهم على الشواطئ النائية من الزمان. لقد جربنا هذا مرارا.
لنتخيل مكتب القائد العام
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 7
نبيل اللامي
استاذ سرمد المحترم ...كتاباتك دائما رائعة وغالبا تصيب هدفك ...لكنك في هذا المقال تخيلت مكتب القائد العام ونسيت معاناة دولة الرئيس في اجبار الشركاء على القبول بدورة رئاسية ثالثة ...يعني انت في خيالك افترضت انه محتار بفشله في ادارة البلد بينما هو محتار في ك
عراقي مهاجر
صدقت ياسيد الطائي .. المشكلة ليس بشخصية الحجي فقط المشكلة بساسة اليوم جميعا بلا استثناء وبالآخص الحكومة لقد اطلق عليهم المخضرم حسن العلوي حكومة بنجرجية مع احترامنا للبنجرجية وهم افضل بالطبع من وزراء هذا الحكومة لأنهم يجيدون صهنتهم ولكن كيف بك الحال قائد ع
آريين آمد
لماذا لا يبادر القائد العام للقوات المسلحة بطلب مساعدة امريكا في المجال الاستخباري بعد ان تأكد فشل المنظومة الاستخبارية العراقية بكل تشكيلاتها في مكافحة الارهاب، ام يعتبر هكذا طلب مساس بالسيادة العراقية التي تنتهك يوميا على ايدي الارهابيين والمليشيات المس
يحيي
عودنا الناقد البليغ الاستاذ سرمد بكتاباته الجميله واهادفه ونقده العميق للساسه والوضع العراقي وقال بوضوح مااشعر به ويشعر به الكثير من العراقيين
ندى الطائي
ان مشكلة العراق تكمن في شعب العراقي نفسه فهو الذي يستطيع ان يغير كل شئ لان الشعوب هي التي تصنع الحياة لكي تعيش حياة مستقرة آمنة فليس بالخبز وحده يحيا الانسان .
الناصر دريد
نعم ياصاحبي انت تجرب ونحن نجرب منذ شهور ان نخاطب الطاغية ، لكن كل تجارب الطغاة اثبتت اصابتهم بمشاكل سمع مزمنة !!!! لاتنتهي الا مع ........ النهاية
ابو زيد
ببساطة مشكلتنا الامنية هي الفساد النتن في كل الموسسة الامنية من قائدها العام الي اصغر ضابط في اقصى نقطة تفتيش لا تسمن ولا تغني من جوع ولا ادري لماذا لا يجروء احد ان يكتب بصورة مباشرة عن هذا الموضوع مع العلم ان الكل يعلم جيوب القادة والضباط اتخمت لحد القيء