TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "الريّس" محمود المشهداني

"الريّس" محمود المشهداني

نشر في: 15 يوليو, 2013: 10:01 م
ردّدت مع نفسي وأنا أشاهد رئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني يطل من قناة الشرقية في برنامج " السيد الريس ": " إذا بليتم فاستتروا " ولأن شر البلية ما يضحك، وشر السياسة السذاجة.. وفي الساحة السياسية العراقية الكثير من المضحكات التي تستحق أن نذرف الدمع تعاطفاً لا سخرية، حزناً على بعض السياسيين وتصرفاتهم، واكتئاباً من مواقفهم غير الناضجة، ورفضاً لسلوكهم الذي لا يحترم الناس، فالناس في النهاية يريدون سياسيين حقيقيين يسعون لخدمة العراق وليس سياسيين يُصنفون في خانة "البليّة". 
ليس لديَّ موقف شخصي من الدكتور محمود المشهداني الذي اشتهر بتعليقاته الغريبة في الدورة السابقة من المجلس التي أدت إلى إقالته، ومن بعد إحالته إلى التقاعد ليأخذ حسبما اخبرنا ذات يوم راتباً من الشعب، فالرجل أقحم نفسه في موضوع ليس من اختصاصه بعد أن فاته التميز في مجاله كطبيب، ولا اُريد ان أتحدث عن اخفاقه كسياسي. 
هنا أنا أرصد الحالة من خلال الحلقة, التي استضاف فيها زميلنا "الاعلامي" محمود المشهداني كلاً من القيادي في دولة القانون خالد العطية والنائب السابق وائل عبد اللطيف, التي كشفت لنا كيف ان البعض فاته أن يدرك أن السياسي هو مجموعة محصلات من الموهبة والقدرة والخبرة والتفاعل المستمر من وقت مبكر وعبر آليات وكيانات، وهو كذلك تعبير عن فئة قبل أن يكون تجسيداً لطموح شخص، السياسي الذي يعبّر عن رغباته فقط يبقى معلقاً في الهواء الطلق، ومن ثم حين تعصف به عبارة أو كلمة فإنه لا يتحمل نفخة، ويعتزل ويعتذر ويتراجع، مثلما حدث للسيد المشهداني حين خرج عن طوره في مجلس النواب ثم اخذ يعتذر للحفاظ على ما تبقى له من راتب، ولكن يبدو أن المشهداني ليس عنده ما يخسره بعد أن فشل في الحصول على مئة صوت من أصوات أقاربه في انتخابات مجالس المحافظات، فقرر أن يتفرغ لتأسيس نمط جديد من برامج "التوك شو" شعاره "كيف تستغفل المشاهد في ساعة" وهو البرنامج الذي اخبرنا فيه الشيخ خالد العطية من ان: " تجربة الاسلام السياسي في العراق هي تجربة فريدة من نوعها ". ولم يخبرنا العطية، ولا الاعلامي المشهداني عن أية تجربة فريدة يتحدثون.. هل هي دولة الفشل الأمني، ام بلاد الطوائف والعصبيات القبلية، هل هي الدولة التي يظهر فيها وزير المصالحة الوطنية عامر الخزاعي وهو يقول:" إننا أبناء علي والحسين ومن يختلف معنا ينتمي الى يزيد ومعاوية ".. هل هي الدولة التي دافع فيها خالد العطية باستماتة عن وزير التجارة السابق فلاح السوداني، و بكل ما أوتي من بلاغة لا لشيء إلا لكونه ينتمي الى نفس الفصيل السياسي؟ 
لا أدري عن أية تجربة فريدة يتحدث الشيخ العطية..هل هي سرقة أموال الشعب والزواج الحرام بين السلطة والثروة في العراق بالتزوير والرشوة والعبث بمقدرات الناس.. 
ولا أعرف إذا كنا نعيش عصر التجارب الفريدة في الحكم، فما معنى أن ربع العراقيين تحت خط الفقر في بلد ميزانيته السنوية تجاوزت الـ 100 مليار دولار، ما معنى أن يحصل النواب والوزراء على رواتب فلكية في الوقت الذي تحرم الأرامل والأيتام من الفتات، وما معنى أن يحصل عضو مجلس النواب على مخصصات سكن بملايين الدنانير في وقت تعيش فيه الآلاف من العوائل العراقية في ظروف لا إنسانية. 
الإجابة الحقيقية أننا ابتعدنا عن مفهوم الدولة الحديثة.. حيث يريد لنا البعض ان نتحول الى مصانع للتخلف والكراهية والطائفية.. يقودها ساسة يصنفون البشر الى مراتب وأنواع.. مجتمع تتحول فيه النساء إلى جوارٍ.. والمسيحيون والايزيديون والصابئة إلى " ضيوف " مطلوب منهم ان يدفعوا الجزية.. ليتسنى لهم مشاهدة برنامج " السيد الريس." 
ربما يريد لنا البعض ان نعيش في ظل الدولة التي قال عنها محمود المشهداني ذات يوم: " ان بعض فقرات الدستور تخرب المجتمع وتؤدي إلى نشوء جيل (دايح) " الم يصرخ بنا صاحب برنامج " السيد الريس " بأن دولته " سحقت التيار العلماني وسيظل تابعا للتيار الديني إلى أمد بعيد"؟ 
للأسف ينسى البعض أن التصدي للسياسة يعني أن تكون قادراً على صنع موقف والدفاع عنه، يعني أن تؤمن بأنه قد تأتيك ثقة الناس في لحظة لكي تقوم بدور حقيقي، لو لم تكن كذلك.. فإنك تمارس الهذر، وإلا فليقل لي الملا المشهداني ومن يشاركونه برنامجه " الكوميدي " لماذا يقومون بكل هذا الصخب في هذا الوقت بالذات؟ هل يريدون من الناس أن يصدقوهم وهم ينهبون البلد ويخربون مؤسساته، ألا يدرك المشهداني ومن لف لفه أن السياسة تقوم على الثقة والإخلاص وهي صفات يفتقر لها العديد من الساسة على شاكلة ضيوف برنامجه. 
كيف يمكن أن يغامر الناس مع هذه النوعية من مطلقين "القفشات".
السيد صاحب برنامج "الريس" ببساطة الناس تعرفكم وتدرك كيف أنكم تقولون كلاماً فارغاً وترفعون شعارات عفا عليها الزمن، وتريدون أن تخربوا العقول والأوطان!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سومري

    هل اكون مخطئا ان قلت ان سماحة الوجه وقليل من الوسامة لها دور في تقبل الناس للسياسي ام انها فكرة فانطازية قاسية بحقهم , لو جاء شخصا مثل محمود المشهداني بنظريات الخلاص للعراق مجرد رؤية وجهه احكم على نظرياته بالفشل , وهلم جرا لكل السياسيين الحاليين اريد مسؤو

  2. آريين آمد

    في اول كلمة للمشهداني في يوم انتخابه رئيسا لمجلس النواب، اثار الرجل اشمئزازي، لضحالة تفكيره.... وتيقنت يومها باننا داخلين في مرحلة الكوميديا السوداء... وما يثير استغرابي اصرار الرجل على استمرار استفزازه لمشاعرنا وهو يدرك اكثر من غيره مقدار باننا لم نعد نط

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram