TOP

جريدة المدى > عام > ميشيما.. الروائي الذي أسس لحساسية روائية جديدة

ميشيما.. الروائي الذي أسس لحساسية روائية جديدة

نشر في: 16 يوليو, 2013: 10:01 م

-1- تكاد الرواية اليابانية تتميز بخصائصها التي تحقق لها مزاياها الفنية والجمالية والإبداعية ، هذه الرواية التي تسعى إلى رسم ملامح شخصية الإنسان الياباني الذي عانى أهوال الحروب والتدخلات الخارجية في شؤونه حتى استطاع أن يحقق حضوراً واستقلالاً وحرية .&

-1-
تكاد الرواية اليابانية تتميز بخصائصها التي تحقق لها مزاياها الفنية والجمالية والإبداعية ، هذه الرواية التي تسعى إلى رسم ملامح شخصية الإنسان الياباني الذي عانى أهوال الحروب والتدخلات الخارجية في شؤونه حتى استطاع أن يحقق حضوراً واستقلالاً وحرية . 
شهد الأدب الياباني ازدهارا عندما مرّ المجتمع الياباني بذروة المعاناة ، حيث بدأت الأسماء المهمة في البروز ، وبدأت الإبداعات الكبرى والمهمة تخرج إلى النور .
 
قراءتي هنا ستكون مع علمين بارزين من أعلام الرواية اليابانية ، وقد تركا أثراً على سائر المراحل والأجيال الروائية في اليابان ، وكذلك في العالم . 
يُعد يوكيو ميشيما من أبرز الأسماء الروائية في اليابان ، وقد ترك أعمالاً روائية مهمة استطاعت أن ترسم ملامح جيل ياباني جديد يستقبل مرحلة جديدة من الحياة ، ويكون فاعلاً في هذه المرحلة . 
أراد يوكيو أن يبث روح البطولة والتميز والتفوق في مجتمعه من خلال ما ترك من أعمال روائية مهمة . 
يمتلك هذا الروائي الياباني حساسية مفرطة تجاه الكتابة ، والحياة ، وقوة المشاعر الوطنية ، إضافة إلى ذلك ، فإن كتاباته تتمتع بتحليلات سيكولوجية ، وتدعو إلى تمتع الإنسان بعوامل القوة ، ولكن في نهاية المطاف أدت به هذه الحساسية المفرطة إلى الانتحار بشكل مفزع . 
ولد كيميتاك هيرادكا - الذي بات يعرف بـ يوكيوميشيما - في اليوم الرابع عشر من شهر كانون الثاني سنة 1925 لأسرة محافظة جدا على التقاليد الساموراي ، وفور ولادته استطاعت جدته لأبيه أن تختطفه وتربيه حسب مزاجها في بيتها الصغير .
بدأ يوكيو ينفتح على الحياة ، ويكبر على سماع قصص ومغامرات الساموراي التي ترويها على سمعه جدته التي لا أحد في حياتها غيره . 
كانت الجدة سعيدة ، تستمتع بملء فراغها برفقة حفيدها غير الهادئ ، إلا أنه كان على العكس ، يرى الاهتمام سيطرة على أوقاته وحريته في اللعب مع أصدقائه الأطفال في الشارع أو في أي زاوية أخرى .
كانت هذه الجدة تأخذه إلى المسرح بين حين وآخر ، كي توفر له تنوعاً في ملئ الوقت ، وحتى تجنبه الضجر , فغدا هذا الحفيد الصغير مشاهداً جيداً ومتابعاً لمسرح / النو / مع عملية التكرار في المشاهدة .
لقد تعرف الطفل يوكيو منذ ذاك الوقت على أهمية الإبداع في التأثير على المتلقي .
عندما يصبح في الثانية عشرة من عمره يهرب بغتة من جدته المستبدة ويلجأ إلى البيت للعيش مع أبوَيه , وإن كان لسوء حظه أن أباه من أشد الكارهين للأدب والكتب والأوراق , فمن حسن حظه أن والدته كانت تناقضه تماما ، فكانت تهتم بالإصدارات الجديدة , وتقرأ الدوريات ، وتميل إلى الأدب . 
عندما عرفت الأم ميل ابنها إلى الكتابة ، لم يكن أمامها إلاّ أن تبارك له هذه الموهبة 
كانت أمه وهي تقرأ بعض ما يكتب ، ترى بأنه سوف يكون كاتباً ، وسوف يترك بصمة في مجال المسرح .
مع هذا التشجيع من أمه ، أخذ يوكيو موضوع الكتابة بجدية ، وبدأ يمضي معها أوقاتاً طويلة ، والأم توفر له الهدوء المناسب ، وتثني عليه .
عندما بلغ الرابعة عشر من عمر استطاع يوكيو أن ينجز عملاً روائياً أسماه / بيـت / 
لكن لسوء حظه أن أباه الكاره للأدب قد وقع على هذه الرواية مكتوبة بخط يد ابنه .
عندئذ لم يتردد من توبيخه ، وصفعه ، ثم راح يمزق صفحات الرواية ويحرقها دون أن يترك منها سطراً ، ولم يكتف الأب بذلك ، بل عاقبه بشدة ، وهدده بالطرد من البيت لمجرد رؤيته وهو حاملاً القلم للكتابة . وذلك حتى يفقد الأمل في الكتابة مجدداً ، وكذلك حتى تتوقف الأم عن تشجيعه . 
أمام رغبته الملحة للكتابة واضطهاد والده وتشجيع والدته قرر أن يكتب خلسة عندما يتأكد من خروج والده أو سفره , أو نومه عندما يكون في البيت ،يكتب على دفتر ويحافظ عليه بدقة ويخفيه في أماكن لا تخطر على بال الأب وذلك بمساعدة من أمه التي بدأت توليه عنايتها خلسة في مسألة تشجيعه للكتابة . 
بدا الدفتر بالنسبة له أشبه بالكنز الثمين الذي يحمل إليه بشائر المستقبل ، إنه الدفتر الذي يحمل كل آماله وأحلامه ، وتصوراته عندما يصبح كاتباً ، وتشاركه الأم هذه التصورات والأمنيات . 
في هذه الظروف يباشر في كتابة عمله المتميز / اعترافات قناع / ، وقد أعانه عمله في وزارة المالية أن يكتب في بعض أوقات الفراغ ، وبعد عدة سنوات يتمكن من إنجازه .
لقد أمضى أوقاتاً من عمره حتى أتم هذا العمل ، وغدا يحافظ عليه بحرص شديد ، فتجرأ لأول مرة وأقدم على طبع هذا المخطوط . 
عند نشره لفت أنظار كبار النقاد وكتبت عنه الصحف والمجلات اليابانية ، فتحسن وضعه الاقتصادي مما شجعه على تقديم طلب الاستقالة من وزارة المالية بفضل طباعة الرواية ليتفرغ للأدب والكتابة .
يظهر من عنوان الرواية أنها تمس الروائي نفسه أي هي سيرته , يدرس فيها سحر الموت ، فالجنس هنا يقترن بالموت , ولكن الموت الذي يهب الحياة للآخرين , لجيل جديد لا يمكن له أن يولد إلا بعد أن تتم هذه العملية الحاسمة . 
عند إلقاء الضوء على علاقاته يحاول يوكيو أن يخفي تفاصيل هذه الوقائع , وهو من نمط مارسيل بر وست ربما لعلاقاته السياسية والاجتماعية الواسعة، لذلك لا يصل إلى الاستقرار النفسي ، فيبدو مضطربا في حياته . 
إنه صراع نفسي حاد بين الواقع الذي لا يغفره المجتمع الياباني ، وبين الكاتب الذي ينظر إليه الشعب نظرة فيها الكثير من القداسة والبابوية والوقار .
يكتب يوكيو الرواية ولا يستقر، فيكتب القصة القصيرة ، ثم يكتب المسرح ، ويعبر تارة عن أفكاره بالمقالات ولا يستقر ، فيلجأ إلى السينما كتابة وتمثيلا .
من الجهة الأخرى يعلن انتساب أفكاره إلى اليمين المتطرف ، ثم يسحب كلامه فيدخل اليسار ، ثم لايلبث أن يترك كل شيء ليتفرغ للرياضة ويصبح من دعاة القوة الجسمانية في اليابان . 
على الجسد أن يكون قويا , وهنا على ما يبدو يتأثر بنيتشه، ثم يعود إلى السياسة في أواخر حياته ، ويشكل ميليشيا خاصة به يسميها / المجتمع الدرع / . 
ترك يوكيو آثارا كبيرة في معظم الأجناس الأدبية خلال حياته الأدبية القصيرة تزيد في مجملها عن مائة مجلد وتحتوي على ثلاثين رواية , ومجموعة كبيرة من القصص القصيرة والمسرحيات إلى جانب العديد من المقالات والدراسات الأدبية التي نشرت في الصحف والدوريات اليابانية . 
يوكيو يفهم جيدا عبارة أبيقور ويعجب بها ويرددها في أعماقه :/ ما دمنا نعيش فالتفكير في الموت في غير محله ، وعندما نموت ينعدم وجودنا فلا موجب إذا للخوف من الموت / .
إنه لا يخاف الموت ، وليس بمقدور الموت النفسي أن يجد طريقا إليه .
يكتب في دراسة عن جورج باتاي : 
أريد أن تحبيني حتى في الموت 
أما أنا فإني أحبك هذه اللحظة 
في الموت . 
ويوصل تصوير مشاهد التصوير الموتي في أفضل وأرقى أعماله الإبداعية : صوت الأرواح البطولية ،وطنية ، عطش للحب ، وفي الثلاثية الروائية ( بحر الخصوبة ) . 
يقول يوكيو قبل انتحاره : / أريد أن أجعل من حياتي قصيدة / .
وبعد انتحاره نستخرج جملة مهمة من سيرته :/ اعترافات قناع / هي : / كانت تصيبني الرعشة مع لذة غريبة حينما كنت أفكر بموتي , كنت أشعر أنني ملكت العالم بأسره / .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة
عام

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

حاوره علاء المفرجيهاتف جنابي؛ شاعر وكاتب ومترجم للأدب البولندي إلى العربية والعربية إلى البولندية. نشأ وتعلّم في مدارس العراق، وفي سنة 1976 توجّه نحو بولندا، لإكمال دراسته، ومن ثمّ للعيش فيها. منذ ذلك التاريخ،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram