اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > عدد الاستعارات في الاسبوع لاتتجاوز 25 كتاباً.. الانترنت يطيح بمكتبات بغدادالعامة

عدد الاستعارات في الاسبوع لاتتجاوز 25 كتاباً.. الانترنت يطيح بمكتبات بغدادالعامة

نشر في: 16 يوليو, 2013: 10:01 م

بخطواتٍ متثاقلة دخلتُ إحدى المكتبات العامة في بغداد، فوجدتها تعج بالأتربة والكراسي الفارغة، كان هناك رجل طاعن بالسن يحتل إحدى الزوايا والكتب من حوله، شزرني من خلف نظارته، فألقيت عليه التحية التي  اعتقد أنها لم تصله.. جلتُ بنظري بين الرفوف فاستوق

بخطواتٍ متثاقلة دخلتُ إحدى المكتبات العامة في بغداد، فوجدتها تعج بالأتربة والكراسي الفارغة، كان هناك رجل طاعن بالسن يحتل إحدى الزوايا والكتب من حوله، شزرني من خلف نظارته، فألقيت عليه التحية التي  اعتقد أنها لم تصله.. جلتُ بنظري بين الرفوف فاستوقفني كتابٌ "الشرح الكبير لمقولات أرسطو" لأبي الفرج عبد الله بن الطيب البغدادي، بعد أن نفضت الغبار عنه، تساءلتُ مع نفسي ماذا كان ليفعل لو علم أبو الفرج أن كتابه سيكون هكذا مصيره،  بعد أن كان خيرَ جليسٍ لبعض الفلاسفة؟!
المكتبات العامة التي كانت تعجّ بروّادها، من طلبة ومثقفين وأناس عاديين، تكاد اليوم تخلو من الزائرين، باستثناء بعض الطلبة المضّطرين للبحث بين الرفوف المتهالكة عن بعض المصادر بسبب ضغط الأساتذة عليهم وجبارهم على جلب المصدر من المكتبات حصراً.
نسلط الضوء هنا على الأسباب التي تكمن وراء ذلك، فكانت هناك جملة عوامل أبعدت الباحث، الأديب، الشاعر، والمواطن عن المكتبات أبرزها "جوجل" شبكة الانترنيت، التي تعتبر مكتبة متكاملة بلا جدران؛ جعلت الدارسين يعتمدون عليها، مبتعدين عن المكتبات. وهناك اسباب تتعلق بالوضع الأمني غير المستقر الذي تعيشه البلاد، كذلك بعد المكتبات عن منازلهم وتواجدها في أماكن محددة، هذا مع عدم اغفال كثرة الاختناقات المرورية التي تحول دون وصول الناس إلى المكتبات في الوقت المحدد.
المكتبات لا تقتصر على المطالعة
جولة في المكتبات العامة ببغداد، تقودك إلـى اســتنتـاج أن المكتبات لم تقتـصر على القراءة والمطالعة فحسب، وإنما احتلـت النــشاطات الموسيقية ودورات الانترنيت ورياض الأطفال جزءاً منها.
المواطنة مريم محمد أوضحت في حديث مع "المدى" ان "المكتبات موجودة في اغلب مناطق بغداد؛ فهي توفير خدمة للباحثين في حصولهم على المعلومات التي يحتاجون إليها، إضافة إلى ذلك فانها تعتبر من أفضل أماكن الترفيه عن النفس، فبإمكان إي شخص ان يدخلها ليتصفح الكتب الموجودة ويلتقط المعلومات التي يطلبها، لغرض الدراسة أو لغرض الإطلاع".
وتؤكد ان "المكتبات تساعد في تطوير مواهب الأطفال وخبراتهم من خلال معارض الرسوم التي تقيمها أو دورات التقوية على أجهزة الحاسوب وغيرها من النشاطات العديدة والمتكررة التي تقوم بها".
   
الاختناقات المرورية تحول دون وصولنا
أركان الجابري (مواطن) يقول إن "المكتبات العامة هي أماكن تعليمية وتثقيفية يرتادها عامة الناس والطلبة والمثقفون، لكن نلاحظ في الوقت الحالي انقطاع الناس عن هكذا أماكن".
وأوضح الجابري لـ "المدى" أن "من ضمن أسباب انقطاع الناس عن المكتبات العامة الاختناقات المرورية إضافة إلى الوضع الأمني المتردي، فمن غير المعقول ان يستغرق الشخص أكثر من ثلاث ساعات ذهابا فقط إلى مكتبة عامة، للحصول على المعلومات في ظل توفر شبكة الانترنيت".
يبدو أن هذا الواقع يجب أن يُرى من جوانب أخرى؛ عذراء محمد (33 سنة) ترفض ما يُشاع عن أن القراءة انتهت، فهي لا تنفي أن المطالعة التقليدية خفتَ وهجها لكنها لم تُعدم. وتقول ان "القراءة الإلكترونية التي لا يعترف بها اغلب الأدباء، تحتل جانباً مهماً من المشهد، وساهمت في رفع نسبة القراءة". طالب الماجستير في كلية الآداب - جامعة بغداد محمد الدليمي أوضح لـ "المدى" أن "الحصول على مصادر، أثقل كاهلنا ورفع من معاناتنا إضافة إلى معاناة الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهنا، فالمكتبات لا توجد فيها كتب حديثة، في الوقت الذي تكون فيه متوفرة في الأسواق بشكل كبير لكن أسعارها زادت من معاناتنا"، داعيا "وزارة التعليم العالي والجهات المختصة إلى مراعاة ظروف الطلبة وتوفير المصادر الحديثة التي تدعم بحوثهم".  

9 آلاف كتاب ولا من قارئ
مديرة المكتبة المركزية في الأعظمية قالت "ان عدد المكتبات ليس بقليل وإنها موجودة في اغلب أحياء بغداد وبإمكانها ان تسد الطلب المتزايد على جميع الكتب الموجودة فيها.
وأكدت ميسون كمال جواد في حديثها إلى "المدى" أن "المكتبات العامة موجودة في اغلب مناطق العاصمة بغداد، لكن ابتعاد الشباب عن القراءة حال دون معرفتهم بهذه الأماكن".
وأوضحت أن "هناك جملة أسباب جعلت المواطن يبتعد عن المكتبات العامة منها، إتاحة شبكة الانترنيت إذ لا يوجد اليوم منزل خال من جهاز الحاسوب وشبكة الانترنيت، إضافة إلى انتشار المقاهي والكازينوهات التي فاقمت من ضياع ساعات كثيرة من وقت الشاب العراقي"، مضيفةً أن "المكتبة تحتوي على أكثر من 9000 كتاب متنوع بين الطب والهندسة واللغة العربية والتاريخ والجغرافية والفلسفة إضافة إلى كتب الدين"، مشيرة الى ان "أكثر الكتب استعارة هي من كتب اللغة العربية والدين".
وأضافت أن "الجهة المسؤولة عن المكتبات العامة هي محافظة بغداد، وهي من تقوم بتجهيز المكتبات بالبحوث والكتب، إضافة إلى الإهداءات التي تحصل عليها المكتبات العامة من قبل الناس كأن يكون الإهداء من قبل مؤلف كتاب أو عن طريق شراء الكتاب وإعطائه للمكتبة دون مقابل".
وبشأن استعارة الكتب ومدى استفادة الأكاديميين من المكتبة أشارت جواد إلى ان "عدد الاستعارات الأسبوعية في الأعوام الماضية لا يزيد على 25 كتابا، اما الان فان فقد ارتفع عدد الاستعارات بشكل كبير إذ وصل الان الى 60 كتاباً، وهذا العدد في زيادة مستمرة"، مبينة ان "السبب في ذلك، يعود إلى الكادر التدريسي الموجود في الكليات والمعاهد، كونهم يجبرون طلبتهم على اخذ مصادر بحوثهم من المكتبات حصراً والابتعاد عن شبكة الانترنيت، كون مواقع الانترنيت تحتوي على العديد من المعلومات غير الدقيقة أو الخلط بين المواقع في اغلب الأحيان".

وزارة الثقافة: المكتبات العامة ليست من مهامنا
أما وزارة الثقافة فقد رمت الكرة في ملعب محافظة بغداد، مؤكدة عدم مسؤوليتها عن المكتبات وان محافظة بغداد هي من تقوم بالإشراف عليها.
وقال مصدر مطلع في وزارة الثقافة أن "المكتبات العامة ليس مهامنا"، مضيفا ان "محافظة بغداد هي المسؤولة عن المكتبات العامة".
وأضاف ان "الوزارة تقوم بتجهيز بعض الكتب الحديثة إلى المكتبات، إضافة إلى دعم بعض النشاطات الثقافية التي تقوم بها المكتبات".
وأشار إلى "توفر شبكة الانترنيت في كل مكان وصعوبة الظروف التي يمر بها أبناء الشعب العراقي حالا دون ارتياد المكتبات العامة".

عددها ليس قليلاً
مديرة قسم المكتبات في (محافظة بغداد) سهيلة غافل محمد، قالت في اتصال مع "المدى" ان "عدد المكتبات العامة في العاصمة بغداد هو 24 مكتبة موزعة على أحياء بغداد إضافة إلى أربع مكتبات قيد الإنشاء في الطارمية والنهروان والتاجي سيتم الانتهاء من تشييدها نهاية العام الحالي".
وأضافت مديرة قسم المكتبات ان "عدد المكتبات كاف وتستطيع استيعاب كل أعداد المراجعين من المثقفين والطلبة والناس العاديين"، مؤكدة ان "بعض المكتبات تتوفر بها شبكة الانترنيت، ويتم العمل على إنشاء منظومة تربط جميع المكتبات بخط انترنيت خاص".   
وأشارت إلى ان "المحافظة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن المكتبات في بغداد، ولا توجد جهة أخرى تمول هذا الجانب"، مبينة ان "المكتبات تقوم بدورات ترتيل وحفظ القرآن ودورات تعلم الحاسوب، حيث تنظم هذه الدورات خلال العطل الصيفية في كل عام لغرض استفادة طلبة الكليات والمعاهد منها، إضافة إلى إقامة المهرجانات الشعرية".    
وقالت أن "المحافظة هي المسؤولة عن المكتبات العامة منذ عام 2003 وحتى ألان"، مستدركة بالقول ان " مؤسستها هي من تدعم المكتبات، إضافة إلى بعض الدعم الذي قدم من قبل القوات المتعددة الجنسيات لكنه انتهى بخروجهم من البلاد، إما ألان فلا يوجد إي دعم من قبل الجهات الأخرى".
من جهته، ذكر مصدر في محافظة بغداد (قسم المكتبات) ان "عدد المكتبات ليس بقليل، وان المكتبات موزعة على بين مناطق البياع والحرية والكاظمية والكرادة ومدينة الصدر والسيدية واليرموك، إضافة إلى مكتبة الزهور في قضاء الحسينية".
وأضاف المصدر الذي رفض الإفصاح عن أسمه أن "المحافظة تسعى إلى إنشاء نظام الكتروني وفق خطط مدروسة لتفعيل خدمت الانترنيت في جميع المكتبات، لتسهيل مهمة الطالب في حصوله على المعلومات"، مشيراً إلى ان "هناك مقترحات للنهوض في واقع المكتبات، وتفعيل عملها بالشكل الذي يخدم روادها سواء كانوا طلبة أو مثقفين أو أناسا عاديين".
وبيّن أن"مهمة المكتبات العامة لا تقف عند الدراسة والمتابعة والإطلاع فقط، بل تتعدى ذلك وتقوم بعدة مهرجانات خلال السنة منها معرض الكتاب الذي تشترك فيه جميع المكتبات ويحضره نخبة من الكتاب والمثقفين والقراء وبعض الشخصيات الحكومية، إضافة إلى المهرجانات العديدة لدعم الطفل وتشجيعه".

مكتبة واحدة في كل محافظة
يرى رئيس لجنة الثقافة والإعلام ان أعداد المكتبات غير كافية، وهي بحاجة إلى الدعم الكافي من قبل مجلس الوزراء من خلال توفير أراض والأموال اللازمة لإنشاء المكتبات، وان عزوف المواطنين عن المكتبات العامة جاء  لعدة أسباب تتحملها جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية.
 وقال علي الشلاه أن "عدد المكتبات غير كاف مقارنة مع أعداد السكان الموجودين في الأحياء، وإذا كانت أعداد المكتبات العامة في بغداد هي 24 مكتبة، إضافة إلى أربعة قيد الإنشاء، فان أعداد المكتبات في المحافظات لا تتجاوز المكتبة الواحدة أو المكتبتين في كل محافظة، فعلى سبيل المثال توجد في محافظة نينوى مكتبتان"، مشيرا إلى ان "محافظة بغداد والحكومة المحلية هما المسؤولتان عن المكتبات".
وأضاف "نلاحظ عزوف المواطنين عن المكتبات لأسباب عديدة تتحملها جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية ومحافظة بغداد إضافة إلى دور وزارتي التربية والتعليم العالي في رفد مكتباتها بأحدث الكتب، وبنفس الوقت يتطلب جهد كبير من قبل وزارة الثقافة في دعم هكذا مشاريع".
وأكد ضرورة "دعم مجلس الوزراء هذا الجانب من خلال توفير اراض  والأموال اللازمة لإنشاء المكتبات"، داعيا الجهات المعنية الى توفير منظومة انترنيت خاصة بالمكتبات "في ظل العراك بين المطبوع والالكتروني، الذي يعد السبب الرئيسي في عزوف الشباب عنها".

وأخيراً وليس آخراً
يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر "إن الكتاب وهو ملقى على الرف أشبه بالجسم الميت تدب فيه الحياة إذا ما امتدت إليـه يـد القارئ".
فما أجمل الوقت الذي تمضيه - أيها القارئ - في القراءة، وما أحلى الساعات التي تقتلها في الإطلاع على ذخائر العقل وكنوز المعرفة، فتنمو معلوماتك وتتسع ثقافتك، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتقوية الصلة بالكتاب واتخاذه رفيقاً لا تفارقه. لان الإنسان إذا استطاع أن ينظم أوقات القراءة ويروض نفسه على عليها والبحث فإنه بذلك يعيش في متعة لا تعدلها متعة، ولذة تصغر أمامها كل أمور الحياة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. المهندس ضياء محمد هاشم

    المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي لديه مكتبه و لاكنها في ركن قصي من المركز لا يكاد الزائر ان يعرفه وفي اكثر الاحيان مغلقه و لا نرى اثر للنشاط فيها حبذا لو تم تفعيلها بشكل اكبر و خاصة ان المركز يعني بالثقافه بجميع مدياتها لتكون محتويه على جميع اميد

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram