TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صيام البلد الأكثر تعاطياً للرشوة!

صيام البلد الأكثر تعاطياً للرشوة!

نشر في: 16 يوليو, 2013: 10:01 م

للدين غايات كثيرة، اجتماعية/ نفسية في أغلبها، تساعد الناس على تحقيق توازنات تكون ضرورية لحياة أكثر استقراراً. ومن أهم تلك الغايات هي عملية التطهير، التي يحتاجها الإنسان للخلاص من شعوره بالذنب جراء أخطائه. فالإنسان لا يستطيع تحمل شعوره بالذنب طويلاً، لذلك لا بد من تخليصه من هذا الشعور. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك ذنوب لا بد منها. أقصد أن الأعم الأغلب من الناس، لا يستطيعون أن يكونوا اسوياء في تعاملاتهم مع الآخرين، فنراهم يغشّون ويكذبون وينافقون لسبب أو لآخر، وبشكل مستمر. ومن هذا الباب هم بحاجة لما يجعلهم يتخلصون من شعورهم بالذنب. وهنا يأتي دور الأديان وتأتي العبادات المكرَّسة لتحقيق هذه الغايات.
الملاحظة المهمَّة في هذا الإطار، هي أن الفعَّالية التطهيرية يجب أن تتضمن بعض المشقَّة، بل كلَّما كانت شاقّة أكثر، كلما أقنعت الناس بقدرتها على تحقيق التطهير، ومن ثم حرص الناس على أدائها أكثر.
ما يجعلني أتذكر هذا الموضوع، هو شهر رمضان والمشقّة التي تتسبب بها عبادة الصيام على الناس في هذا الجو اللاهب، حيث اسمع الكثير ممن يتساءلون معترضين: إذا كان كل الناس صائمين على الرغم من صعوبة الصيام، فهذا يعني أن الجميع ملتزمون دينياً، إذن فمن الذي يقوم بالسرقة في هذا البلد، إلى درجة جعلته يحقق أعلى معدلات ممارسة الرشوة على المستوى العالمي؟ ونفس السؤال يتكرر في أيام الزيارات المليونية التي يقطع خلالها العراقيون، الشيعة، مئات الكيلو مترات مشياً على الأقدام لغرض زيارة المراقد المقدسة.
الحقيقة أن الأعم الأغلب ممن يمارسون العبادات الشاقّة "التطهيرية" هم من الشريحة التي تحتاج إلى ممارسة الذنوب بشكل مستمر. بمعنى أن حياتها قائمة على ممارسة الخطأ، وهي لهذا السبب لا تؤدي العبادات الشاقّة بغرض التوبة، أبداً، بل بغرض التطهير، من أجل تخفيف الشعور بالذنب، وهو تخفيف يعطيها القدرة على الاستمرار بممارسة الأخطاء والذنوب، ومن ثم الاستمرار بنمط الحياة الذي اختارته ورضيت به.
إن مثل هذا الازدواج لا يأتي من فراغ، فهناك دائماً وعود باذخة بالمغفرة، تجعلها بعض الاحاديث الدينية وقفاً على ممارسة شعيرة أو عبادة ما، لذلك كثيراً ما تتكرر أمامنا عبارات من قبيل: إن ممارسة العبادة الفلانية تجعل الإنسان طاهراً من الذنوب كيوم ولدته أمه! وهذا ما يجعلني أتساءل عن مدى انسجام هذه الأحاديث مع الغايات الدينية طويلة الأمد. الامر الذي يجعلني اشك بأن ثمة انقلاب يقوم به المجتمع على الدين من خلال هذه الاحاديث، لكن شرح هذا الموضوع معقد إلى درجة يحتاج معها إلى مقال مستقل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو عبير

    ننتظر حتى تطل علينا بما يشفي حال الناس في هذه الايام التي يغلي فيها كل شئ من اجل ان يتبخر الصدف ويبقى الجوهر . يسلم قلمك ايها المفكر .

  2. نصير الجنابي

    صراحه المقال ليس (موضوعي ) الى درجه عاليه وفيه بعض المفاهيم المنقوصه حيث تسائل الكاتب كيف ان من يمارس العباده الفلانية يكون كمن ولدته امه حيث هذا الامر لا ينطبق اطلاقا على الحقوق الفرديه او العامه ابدا حيث يقرر الاسلام ان تبقى ذمة الانسان مشغوله ف

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram