السينما تحاكي السينما، تقدم لها التحية، تستدعي جزءاً من تاريخها، لا لقصد التوثيق حسب بل الاحتفاء ايضاً.. صناع الأفلام عززوا هذه الظاهرة بعد ان كرس الفن السابع حضوره البهي وفاعليته الاتصالية.. فكانت أفلام مثل " وردة القاهرة القرمزية" لوودي الن و(جنجر وفريد) و (انتريتستا) لفيلليني، و(سبلندور) لايتوري سكولا.. والسينما المصرية لم تكن بعيدة عن هذه الظاهرة، بأفلام مثل (ايرمالادوس)، و(بحب السينما) وغيرها.
المخرج روب مارشال استطاع بفيلم (ناين) ان يتمثل عبقرية فيلليني احد أساطين السينما في ( ½8 )، ليقدم قراءته الخاصة بما يضفي على هذه التحفة الفنية روحاً جديدة. في فيلمه السابق (شيكاغو)، تلمس مارشال، ، سر نجاح عدد من الأفلام الغنائية الاستعراضية مثل (صوت الموسيقى) و(قصة في الحي اللاتيني)، في فيلمه ناين كان على هذا المخرج ان يتحرر من سطوة النجاح المدوي لفيلم فيلليني، ورسوخه في ذاكرة أكثر من جيل من عشاق السينما، ومكانته كأحد الشواخص في تاريخ السينما، فلجأ إلى استثمار نجاحه هو في الفيلم الاستعراضي (شيكاغو) وخبرته كمخرج مسرحي ومصمم رقصات، ليعالج موضوعه ( ½8) بقالب موسيقي راقص، والأمر الآخر هو زج عدد من أهم نجمات السينما العالمية الآن، واستبطان مواهبهن الكامنة في الرقص والغناء نيكول كيدمان، جودي دينش ، اينيلوبي كروز، صوفيا لورين، ماريا كوتيلا، فيرجي، وهو أمر يحسب له مع استثناء نيكول كيدمان التي لها تجربة ناجحة في هذا المجال في فيلم (الطاحونة الحمراء)، ولي ان أضيف أداء النجم الإنكليزي المذهل دانيال دي لويس، وربما مثل هذه الإضافات لا تمنع الإحالة إلى فيلم فيلليني ، الذي جسد أدواره حينها مارشيلو ماسترياني وكلوديا كاردينالي ، ابتداءً من العنوان (½8) الذي فسر ان فيلليني وضعه بعد حصيلة 7 أفلام وفيلم بإخراج مشترك، بينما مارشال وضع رقم 9 ، وهو عمر الصبي في الفيلم او عدد شخصيات الفيلم الرئيسة في الفيلم. أما الموضوع، فهو لا يبتعد كثيراً بل ان المخرج يحرص على ان يكون تحية لأحد أهم معلمي السينما. فطنة المخرج مارشال انه يعيد فيلليني إلينا، او يعيدنا إلى زمن فيلليني. ولكن من خلال أسلوب استعراضي يعتمد الترفيه يعيش من خلاله أجواء تلك المدة، وندخل فيه لاستوديوهات أيام مجد السينما الايطالية. أحداث (ناين) تدور عن مخرج في منتصف العمر (غيدو) يؤدي دوره الممثل الإنكليزي دانيال دي لويس ، يعاني عسرا في الكتابة ، كتابة سيناريو لفيلمه الجديد (ايطاليا)، الذي سبق ان أعلن في حديث صحفي عن إكمال كتابته ، حيث انه غارق في بحر من المشكلات العاطفية، يهرب من عجزه في الكتابة ومواصلة العمل ، إلى حيث النساء في حياته. زوجة لويس تؤدي دورها الفرنسية ( ماريون كوتيلا)، وعشيقته كارلا ( يبنيلوبي كروز)، وبطلة فيلمه الجديد موزي( نيكول كيدمان )، ومصممة الأزياء وكاتمة اسراره ( جودي دينش)، والصحفية ( كيت هيدسون) ، ووالدته ( النجمة الكبيرة صوفيا لورين)، والمومس التي يتعرف إليها في فترة شبابه فيرجي. هروب ( دانيال دي لويس) من كتابة نصه السينمائي ، وحضور النساء في حياته، هو هروب دائم، يعكس أزمة نفسية وعاطفية، تدفع به إلى استرجاع أزمان من طفولته ومراهقته التي أثرت في تكوين شخصيته ، وعلاقته بالصحافة ورجال الدين .. هروب دائم بدأ من حق شركة الإنتاج لفيلمه، تم من زوجته الفنانة التي تتخلى عن فنها من اجل ان تحبه زوجاً ، يهرب إلى بنسيون في إحدى المحطات للقاء عشيقته (كروز).. هروب من الصحافة.. هروب من رجال الدين ، والذي يقدم فيه المخرج احد أجمل مشاهد الفيلم بلقائه بابا الفاتيكان، الذي يزجره على اهتمام أفلامه بالعاهرات، لكنه يطلب منه صورة موقعه لبطلة أحدث أفلامه .. هروب إلى سلسلة من العلاقات النسائية .. فوضى في العلاقات وفي نمط التفكير .. وفي مشهد من أجمل مشاهد الفيلم تحضر جميع شخصيات الفيلم، بينما المخرج غيدو مع كاميرته مرتفعا في( كرين) التصوير يجلس بجانبه الصبي ذو التسعة أعوام . نجح المخرج مارشال أيما نجاح في إدارة ممثليه مثلما نجح في إعادة صوفيا لورين في دور الأم إلى الشاشة مرة أخرى، الذي سبق ان قدمته بامتياز الأوسكار قبل أكثر من أربعة عقود.
توثيق واحتفاء
[post-views]
نشر في: 17 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...