اخبار كثيرة تستحق ان نختم الاسبوع بالتعليق عليها، فهو اسبوع "دسم" حقا. لكن الصور التي ترسمها المعلومات والتصريحات وحتى "التنبؤات" تصلح كموضوع لكاريكاتير عملاق. وهي اشياء لها علاقة ب١٥ انتحاريا "فقدوا" بين مضارب القبائل، ومناقشة "بالمقلوب" للمجلس الاتحادي الذي سيضم نحو ٧٠ نائبا اضافيا، الى جانب انزعاج القوات الأمنية من تجول عناصر استخبارات بزي غير مدني. وكاريكاتير لم نرسمه بعد لمشروع السيد الشهرستاني في قطاع الطاقة، يتعلق بالشركات التي "تنصب" المحطات او "تنصب" شيئا آخر.
هناك كاريكاتير مؤلم من المقدادية بديالى، حيث يتنامى الموت والتهجير وتتضرر كل الطوائف. وديالى عراق مصغر قوميا ودينيا، وما يصيبها سيصعب وضع بغداد بشكل خاص، لكن محاولة المسؤولين لتوضيح المشكلة تعكس الاقدار الساخرة التي تصنع الموت والموت المضاد. احدهم يقول بلسان واثق: "الخلاف عشائري، فهناك ٢٠ انتحاريا دخلوا المحافظة، خمسة منهم انفجروا داخل مجالس عزاء، واختفى ١٥ آخرون. العشيرة الضحية لديها شكوك بأن عشيرة اخرى تقوم بإخفاء الانتحاريين الضائعين، فقررت تهجيرهم" بهذه البساطة. انه كاريكاتير رهيب، لا ندري هل يعكس تورط العشائر في امر ليس من اختصاصها ضمن مفهوم الدولة، ام انه شعور القبيلة بعدم وجود الدولة في المقدادية، ام محاولة الاحزاب التستر وراء واجهة العشيرة لاطلاق غرائز عدوان متبادل يمكن ان تحرق كل شيء؟الكاريكاتير الثاني يرسمه صراع لم يسلط الضوء عليه، داخل المؤسسة الأمنية بين الاستخبارات بكل انواعها، والاجهزة القتالية على الارض. مصادر الداخلية تقول: "الاستخبارات اصابتنا بالدوار، مرة ترتدي الزي المدني، ومرة العسكري، وتأتي بالمعلومات متأخرة اسقاطا للفرض، وأحيانا تزود قادة الأمن بمعلومة كاذبة لإفشالهم". وبالتأكيد ستسمع من الاستخبارات لو سألتهم حديثا مماثلا، لكن الكاريكاتير الرهيب هو استمرار موتنا وانشغال الطرفين بنزاع داخل المؤسسة على اشياء غريبة عجيبة، وهو نزاع يستهلك وقتهم وجهدهم لا يتوقف الا حين نموت، فيأتي السادة من الطرفين لاحصاء القتلى والجرحى وجمع الاشلاء، ويتحولون تلك اللحظة الى مجرد "دفاع مدني" على تعبير احد الظرفاء. هل يعقل ان هذا الكاريكاتير سيتواصل، وهل سيعني ذلك سوى تواصل موت الشعب في غياب توضيح حكومي؟
اما كاريكاتير "مجلس الشيوخ" العراقي فيرسمه بعض النواب الذين يتأسف المرء حيال عجزهم عن فهم الفلسفة الدستورية لمجلس الاتحاد، اثناء اعداد قانونه في البرلمان. مسودة التشريع تقول ان المحافظات سيتساوى عدد ممثليها في هذا البرلمان المصغر او "مجلس الشيوخ" بغض النظر عن عدد السكان. على خلاف مجلس النواب الذي تكون فيه حصة نينوى اكثر بكثير من حصة المثنى. ومن الواضح ان الدستور استوحى هذا من النموذج الاميركي، الذي عالج مخاوف الولايات الاقل سكانا، من تمرير الاغلبية النيابية قوانين تضر بمصالحها، فأنشأ الآباء المؤسسون مجلس شيوخ تتكافأ فيه الولايات بعدد ممثليها، ويكون له حق ابداء رأي قوي يوازن بين مطالب الاقلية وما تريده الاكثرية، وهو اعمق تطوير سياسي خلال خمسة وعشرين قرنا من الديمقراطية. لكن نوابا بارزين لم يفهموا هذه الفكرة بعد، وراحوا يعترضون على اساس الفكرة مطالبين بمنح كل محافظة مقاعد بعدد سكانها في مجلس الاتحاد! وهذا يعني تضييعا لفكرة البرلمان الثاني، وماذا سنصنع به حينها ولماذا ندفع كلفة اعضائه وامتيازاتهم، ولدينا برلمان يمثل الجميع وفق الحجم السكاني؟ هل يعقل هذا الكاريكاتير الذي يرسمه بعض النواب، في لحظة نراهن على جهد الجميع لاستكمال الاصلاح التشريعي؟
وهناك كاريكاتير لم نرسمه بعد للشهرستاني والوزير السيد عفتان في مجال الكهرباء. اذ ظلت اعتراضاتنا عامة، ولم نحاول سوى المطالبة بكهرباء غير موجودة. لكن يمكن للناشطين والنواب والصحافة ان يفعلوا شيئا تأخروا في انجازه. صحيح ان الشهرستاني لا يحضر للاستجواب بحماية من المالكي "ولحكمة خفية" غير ان في وسعنا استجوابهم غيابيا وأمام كل الجمهور. ليس من المستحيل ان نجمع اسماء الشركات التي تتولى تنصيب نحو ٥٦ محطة توليد ضخمة اشتريناها عام ٢٠٠٩ (يا للهول) ونكتب اسماءها وأسماء مالكيها على لافتة عملاقة في كل مدينة، وسيكونون "مطلوبين وطنيا" لتوضيح ما فعلوا حتى الان بفلوس الشعب. استجواب المسؤول ممتنع، لكن استجواب الشركات من قبل المتظاهرين سيكون امرا مثيرا، من شأنه ان ينقل احتجاجنا من غضب اجمالي، الى حكايات وحكايات توضح تفاصيل اللامسؤولية. وسيوضح لنا ما اذا كانت هذه الشركات "تنصب" المحطات، ام "تنصب" علينا بمعونة فريق السلطان. هل نحن عاجزون عن هذا ايضا؟
٤ كاريكاتيرات لنهاية الأسبوع
[post-views]
نشر في: 17 يوليو, 2013: 10:01 م