TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من أين نبدأ: في البحث عن قيامة دولة القانون والمؤسسات والحريات

من أين نبدأ: في البحث عن قيامة دولة القانون والمؤسسات والحريات

نشر في: 20 يوليو, 2013: 10:01 م

لا مكان ولا دور للقانون، في دولة لا تستند على المؤسسات، ولا تنهض على أسسٍ راسخة من الحريات.
وبدونهما ينعدم مفهوم الدولة، ولا يستقيم لها معنىً. فالدولة لا تكتمل دون أن تتوفر لها هذه الأركان الثلاثة:
القانون، والمؤسسات، والحريات.
والسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، هي التجليات والأدوات المعبرة عن هذه الأركان، بما تعنيه من بنىً وقواعد والتزامات ومعاملات وواجبات. والتلازم والترابط العضوي بين هذه السلطات، هما ما يكسبان الدولة معناها، وفيهما يتجسد تكامل مبناها ووظائفها.
وأول ما تعمد إليه الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة، هو الإخلال بحيادية الدولة النسبية، وتفكيك مؤسساتها، وتقويض سلطتها القضائية، تمهيداً لتحويل الدولة بكل أركانها إلى دولة فرد أو حزب أو جماعة مهيمنة، تتحلل من أي التزامات أو قيم وتعهدات إزاء الشعب.
ومع انهيار الدولة الشمولية المستبدة في نيسان ٢٠٠٣، دشن العراق مرحلة اللا دولة، كيان مفكك، بلا ملامح، ولا مقومات. وأوغل الاحتلال، بما اتخذته سلطته المدنية من تدابير وتشريعات وإعلانات، مبتسرة، عشوائية، معزولة عن إرادة أصحاب العلاقة، إلى تشويه أيّ ملمحٍ لوجهة إعادة بناء الدولة الوطنية. وشكّلت تلك الخطوات، التي اتخذت طابع تشريعات ملزمة، إلى جانب الأطر الطائفية للقيادة الانتقالية المأسورة بها، قاعدة لإعادة بناء الدولة، على انقاض وخرائب الدكتاتورية. ومنذ تلك اللحظة المشؤومة تاريخياً، دشّن العراق الجديد، مرحلة ما بعد الاحتلال، بتقويض كل ما من شأنه نفض بقايا خرائب الدولة التي أنتجها وخلفها الاحتلال، ووضع الأسس الكفيلة ببناء دولة ديمقراطية، متكاملة الأركان. ولم يكن ممكناً تعهّد مثل هذا الالتزام الوطني التاريخي، في ظل نظام المحاصصة الطائفية، وتشوّه القواعد الخرِبة، وتفشي الفساد والتفسّخ، وإشاعة مناخ التصادم والاحتراب بين مكونات المجتمع. وزاد المهمة استعصاءً، الانفلات الأمني وتصاعد العمليات الإرهابية واتخاذها صيغة تكفيرية، وطابع اغتيالٍ وقتلٍ على الهوية.
في مثل هذا المناخ السياسي الموبوء، جرى تداول السلطة، والاستقواء من خلاله، بتوظيف كل تلك العوامل السلبية، لقضم ما تشكل من مقومات بناء الدولة، وعلى العكس تماماً، بدأت بوادر الانقضاض على شبه المؤسسات المستقلة، والسيطرة على الإعلام الرسمي وقنواته ووسائله، والتسلل إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتقويض استقلالية القضاء، وشل السلطة التشريعية، وتمييع أداء السلطة التنفيذية، بتدابير استباقية، ترافقت مع تصعيد سياسي وإعلامي أدى إلى وضع البلاد على شفى أزمة خانقة، شلّت قوى العملية السياسية وشرذمتها، وعطلت أي إمكانية للبحث في المهام الكبرى الملحة وفي مآل الدولة التي تراوح في مواقع اللا دولة.
لقد أدى قضم الدولة، وبشكل خاص تكميم إرادة السلطة القضائية، وشل إرادة السلطة التشريعية، وكلاهما مقيد بالمحاصصة، الى "تلزيم" الدولة المشتَبه بتكوينها، إلى طغمة متواطئة على الفساد، تتغول كلما تكاثرت أحمالها من المسؤولية في النهب والتخريب والتعديات واتسعت خيبتها من إمكانية الإجهاز على الدولة وتكريس سلطتها المتسلطة.
ومن المحال أن يجري البناء على ما هو قائم، انتظاراً لانعطافة، من اللا دولة، إلى الدولة الديمقراطية، في غيبة لاستنهاض القوى الكامنة لكل الناس، بغض النظر عن انتماءاتهم ومكوناتهم وأيديولوجياتهم، في هبة تضع حداً للطغمة التي استحلت استباحة إرادتهم وكسر شوكتهم.
بقي أن يلتفت كلٌ منا، باتجاه انقاض ما يقال عنه انه الدولة، ويبحث عن ملامح أركانها، ليرى مكامن الخلل وينتقل من الصمت الذليل أو الهمس المتردد، إلى قولٍ جهير، إن لم يكن في وسعنا أن نتخذ من سيرة "الشيّال" قدوة وجسارة.
إن من العبث تأمُّل عدالةٍ وحريات وخدمات ومساواة، من قضاءٍ مكبّل، وأشباه مؤسسات مقضومة الإرادة، في قوام دولة فاشلة ناقصة الأركان، اختطفتها طغمة تمرست على الفساد وأكل الحرام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram