بعد جولته المكوكية السادسة، لم يعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالفشل، لكنه لم يزعُم النجاح الكامل، في سعيه إلى اتفاق يُعيد الإسرائيليين والفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات، واكتفى بالإعلان عن اجتماع، يضم مفاوضين من الدرجة الثانية بعد أسبوع، بهدف وضع الأسس لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي، واعتبر أنها خطوةٌ كبيرةٌ ومرحبٌ بها، لكنه لم يتمكن من إغفال الاشارة إلى صعوبة حل الخلافات التاريخية بين الجانبين، وأنه ينبغي القيام بخيارات صعبة جداً في الأيام المقبلة.
الفلسطينيون من جانبهم، طالبوا بضمانات تشمل وقف الاستيطان، ومرجعية حدود العام 67، وصولاً إلى حل الدولتين، وضرورة إطلاق سراح الأسرى القدامى، علماً بأن كيري لم يقدم حتى الآن خطةً مكتوبة، وإنّما مُجرد مقترحات، ما يعني أن المطروح اليوم، هو استئناف التفاوض، دون وقف أو تجميد للاستيطان، واعتماد مصطلح جديد، وهو ضبط النفس في البناء الاستيطاني، دون التجمعات الاستيطانية الكبرى والقدس الشرقية، ووفق رؤية الرئيس أوباما، الداعية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على حدود عام 1967، مع تحفظ نتنياهو على دولة على حدود عام 1967، وتحفظ الفلسطينيين على يهودية الدولة.
لأسباب مختلفة، وبزعم أنها تمثل خروجاً عن الموقف الوطني، ترفض حماس العودة إلى المفاوضات، التي ترى أنّ المستفيد الوحيد منها هو الاحتلال، الذي يستخدم ذلك غطاءً لجرائم الاستيطان والتهويد، يعني ذلك بالضرورة، رفض موقف وزراء الخارجية العرب الذين يضغطون للعودة للمفاوضات، باعتبار أن دورهم عند حماس، يجب أن ينحصر في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، في حين حثّ كيري إسرائيل، على أن تدرس بعناية مبادرة السلام العربية، المطروحة والمرفوضة منذ أكثر من عشر سنوات، وهي للتذكير، تعد الدولة العبرية بالسلام مع 57 دولة عربية وإسلامية، تنتظر إمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل، مقابل تخليها عن كامل الأراضي المحتلة، والاتفاق على حل عادل للاجئين، وباعتبار أنّ حلّ الدولتين بات واقعياً، في ظل موافقة الطرفين على مبدأ تبادل الأراضي.
يحذر كيري من الإستسلام للرغبة باطلاق تكهنات حول نتائج اتصالاته، التي وصفتها لجنة المتابعة العربية، بأنها تحمل أفكاراً تشكل أرضيةً مناسبةً للعودة إلى المفاوضات، وأردنياً أكد الملك أنّ بلاده ستواصل دعمها الجهود الأميركية، وصولاً إلى إحياء حقيقي لعملية السلام، استناداً إلى حل الدولتين، مع تحذير إسرائيل من اتخاذ إجراءات أحادية، وتكرار اعتداءاتها على المقدسات في القدس، معتبراً أنها تُهدد بتقويض فُرص ومساعي تحقيق السلام.
إن لم تكن مصادفةً، تزامن هذه التطورات مع قرار الاتحاد الاوروبي، باستثناء الأراضي المحتلة من اتفاقات التعاون مع اسرائيل، ما يحتم على نتنياهو الاختيار بين الخسائر الاقتصادية، أو الإقرار بأنّ المستوطنات ليست جزءاً من أراضيها، وإن تأكد أن القرار الأوروبي تم بالتنسيق مع واشنطن، للضغط على اسرائيل، فإن ذلك يعني أن هناك خطوات جادة للتفاوض، على أنّ ذلك لايعني نجاحها، لأن نتنياهو يعتبر أن هذا الإجراء، يُشكل حجر عثرة أمام جهود كيري، ما دفع الرئيس الأميركي لمُهاتفة وحثّه على استئناف المحادثات.
نُصدّق بأنّ هوة الخلاف ضاقت، لكن أن تكون نتيجة كلّ جولات كيري، ونفوذ واشنطن، هي ذلك فقط، فذلك يعني فشل مُهمته، وإن حاول التحايل على الكلمات، للإيحاء بنجاحها، فالسلام مستحيلٌ مع الاستيطان، إلا إن تخلّى الفلسطينيون عن حلمهم الوطني، ولا يبدو ذلك منتظراً، لا اليوم، ولا في قادم الأيام.
كيري.. فشل أم نجاح ؟
[post-views]
نشر في: 21 يوليو, 2013: 10:01 م