لكأن التاريخ يستعاد اليوم، ونحن نقرأ كتاب (ألبير كامو الجزائري) لديفيد كارول الصادر حديثاً، لأن المؤلف يركز على أفكار ومواقف الكاتب الفرنسي، الجزائري المولد، انطلاقاً من خلفيته الجزائرية ومن ثم أسئلته الفكرية بشأن العدالة.
عرفنا، نحن العرب، صاحب (الطاعون) و (السقطة) و (صخرة سيزيف) شيوعياً ثم وجودياً، وها هو في هذا الكتاب إنسانوياً، ضد العقائد والآيديولوجيات والأديان، وعرفنا بعضاً من صداقته لجون بول سارتر وعملهما معاً فترة طويلة ثم انفصام العقد غير المكتوب بينهما، وكانت سيمون دي بوفوار ليست بعيدة عن الخط، فهي ثالثة اثنين لعبوا دورا كبيراً في ثقافة القرن العشرين، وفي روايتها (المثقفون) كشفت بعضاً من معارك سارتر وكامو واختلافهما حول طبيعة العمل الثقافي في السياسة والفلسفة، وسلطت الأضواء على حياة كامو العاطفية وشغفه بالنساء، لأنه كان وسيما (يشبه الممثل الأمريكي همفري بوغارت، بقبعته وطريقة تدخينه) بخلاف سارتر الدميم، بنظارات كعب الاستكان لمعالجة الحول الواضح في عينيه.
هذا الكتاب ينبغي أن يقرأ اليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة، كما يقول مؤلفه في حوار معه، على أساس أن الإرهاب يعصف بالعالم وعلينا إدانة العنف مهما كان مصدره ومن أي طرف جاء، وهو الموقف الذي أبداه كامو خلال المقاومة الجزائرية، وفهم، ولايزال يفهم بطريقة مثيرة للجدل، على أن كامو في القضية الجزائرية ارتد قومياً، فهو صاحب مقولة: "إذا خيرت بين الحرية وأمي سأختار أمي" ومن هي أم كامو سوى فرنسا؟
تأثيرات الاستعمار ومقاومة الاستعمار هما صلب ما يحاول ديفيد كارول كشفهما في فكر كامو والتركيز عليهما، على ضوء دائرة الموت والدمار، في فترة ما بعد الكولونيالية، التي تعصف بعالم اليوم، على حد قوله.
الكتاب ينافح عن كامو، الإنساني، الذي رأى أن فرنسا وجبهة التحرير الجزائرية، كلاهما، يتحملان المسؤولية في ما حصل من مذابح ودمار وسوء فهم في الجزائر.. كامو أدان الاستعمار الفرنسي للجزائر من جهة وأدان جبهة التحرير الجزائرية – حسب كارول في حواره - لأن المدنيين وفقراء الجزائر، حتى البربر منهم، دفعوا ثمناً غالياً على أيدي "إرهابيي" جبهة التحرير لا يقل عن الثمن الذي دفعوه جراء الاحتلال الفرنسي.
يقول كارول: إن رواية "الغريب" أشهر روايات كامو كتبها أثناء الاحتلال الألماني وقرأها جورج بوش أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، فلماذا هذه القراءة الأمريكية؟
يجيب: لأن أحداث الرواية تصور انتقام مواطن فرنسي لصديقة الذي قتله مواطن عربي على الساحل الجزائري، وهذا يشبه قتل مواطن أمريكي على أيدي الجماعات المسلحة في العراق!
الصحفيون، يقول المؤلف، مالوا إلى تحريف الرواية من خلال التركيز بشكل حصري تقريبا على جانبها الأكثر إثارة: قتل عربي.
السؤال الذكي الذي طرحه محاور المؤلف: هل يمكن اعتبار كامو المناهض لجبهة التحرير الجزائرية يصف في نهاية المطاف مدافعاً عن الاستعمار الفرنسي بوصفه كاتباً من ما بعد الكولونيالية؟
يقول كارول: يشير هذا الكتاب إلى أن الجانب الأكثر إلحاحا في كتابات كامو على الحرب الجزائرية للقراء اليوم يتلخص بالحرص على تحقيق العدالة والديمقراطية بعد نيل الاستقلال في الجزائر وحماية المدنيين الذين يتعرضون للذبح خلال الحرب، وهو الطلب الذي تم تجاهله من قبل الجانبين خلال الاحتلال الفرنسي.
أفكار كامو تشبه أفكار الكثيرين اليوم لما يحدث في سوريا، تحديداً، فثم الشجب المبرر إزاء القمع الوحشي الذي تمارسه الحكومة ضد معارضيها، والإرهاب الذي يمارسه المتطرفون الإسلاميون ضد المدنيين السوريين، بعد أن اختطفت الانتفاضة السلمية على أيديهم.
ألبير كامو الجزائري
[post-views]
نشر في: 22 يوليو, 2013: 10:01 م