TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > (أرامل) ومسرح ارييل دورفمان!

(أرامل) ومسرح ارييل دورفمان!

نشر في: 22 يوليو, 2013: 10:01 م

في زيارة الى لندن لتقديم مسرحية (روميو وجوليت في بغداد) لمناضل داود التقيت (علي كامل) من طلبتي في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، وقدم لي نصاً مسرحياً ترجمه عن الإنكليزية للكاتب الأرجنتيني (آرييل دورفمان) بعنوان (أرامل)وقال لي أتمنى لو استطعت إخراجها في بغداد لاسيما وان النص كما اعتقد يستجيب لطموحاتك الفنية والفكرية، وأجبته سأحاول، وما ان قرأت النص حتى وجدته فعلاً يتماشى مع ما قال عنه (علي).. وعزمت على ان أقوم بإخراجه ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية.
(أرامل) دراما سياسية تجري أحداثها في بلد حكمته طغمة عسكرية تولتيارية، وفي هذه المسرحية نلتقي بنسوة مزارعات من (شيلي) فقدن أبناءهن وأزواجهن، وآباءهن ما بين الحرب الداخلية التي أشعلها (بنيوشيت) لتصفية خصومه وبين زنازين السياسية سيئة الصيت تلك التي لم يخرج منها احد حياً وبين حرب مع آخرين حدثت في بلدنا يوماً ما بإضافة مني، يقودنا (دورفان) في هذه المسرحية مثل داني، الى أعماق جحيم بلاده.
نسوة المسرحية وفي مقدمتهم امرأة عجوز فقدت والدها وزوجها واثنين من أبنائها، يعثرن على جهة في مياه النهر الذي يمر بقريتهن، وكل منهن تعتقد او تتخيل ان الجثة تعود لأحد أقربائها، الحاكم العسكري للمنطقة يعرف بالحادث ويحاول ابعاد النسوة عن النهر، ولكن النسوة ومعهن المرأة العجوز يبقين ينتظرن جثثاً اخرى، مثل هذا الحدث حدث في بلادنا يوما ما ونتمنى ان لا يحدث مرة اخرى.
يعلق (دورفمان) على الحدث قائلاً: ماذا لو زعمت انني كاتب دانيماركي ابان الاحتلال النازي لبلاده، كاتباً وهمياً، كان هو مفقوداً او مخفياً عن الانظار؟ ماذا لو ان تلك القصة التي تحكى عن هذه المرأة العجوز التي عند النهر قد حدثت في بلد اليونان مثلاً، وانها اي القصة، كانت مفقودة طوال كل تلك السنين وكان قد عثر عليها فقط منذ عهد قريب ونشرت لأول مرة؟
اذن مثل تلك القصة قد تحدث في اي مكان وفي اي زمان.
ولد (فلاديمير دورفمان) في (بوينس ايرس) في الأرجنتين بعد ان هاجرت عائلته من روسيا ايام الحكم الستاليني، وكان والده مفكراً يسارياً وعمل أستاذا للاقتصاد في جامعة بوينس ايرس واضطر الى مغادرة الأرجنتين اثر الانقلاب الموالي للحكم الفاشستي في (بيرو) وذهب الى اميركا حيث عمل في هيئة الامم المتحدة، ونتيجة لتلك الأحداث التي مرت بها العائلة تعرض الصغير (دورفمان) الى صدمة نفسية تم علاجها ثم درس الأدب الاميركي ولم يكمل الصغير دراسته في اميركا اذ اضطر والده الى ان يتركها الى شيلي بسبب الحملة الماركسية ضد اصحاب الفكر اليساري، وازداد تعلقه بموطنه الجديد واعجب بالحركة الثورية في اميركا اللاتينية، وهجر اللغة الإنكليزية التي تعلمها في اميركا وعاد للتعلق باللغة الإسبانية لتلك التي ينشأ عليها، واعلن كراهيته للرأسمالية الأميركية التي كانت تساند حكم (يبينوشيت) وصرخ يوما بوجه الاميركان قائلاً: (اخرجوا ايها اليانكيون، عودوا الى بلادكم) حصل (دورفمان) على الجنسية الشيلية عام 1967 واستخدم اسمه المستعار (آرييل) المقتبس عن احدى شخصيات مسرحية (العاصفة) لشكسبير واصبح من المؤيدين المتحمسين لسلفادور اليندي الذي اطاح بالحكم الاستبدادي آنذاك ولكن ذلك الحكم الديمقراطي لم يدم طويلاً فقد أطاحت به طغمة عسكرية بقيادة (اوغستو بينوشيت)، وحل الحكم المستبد من جديد الذي أقام الرعب والإرهاب، والقتل في كل أنحاء شيلي، وتخلص (دورفمان) من الموت باعجوبة وهاجر الى هولندا عام 1976 واستقر هناك ثم عاد هو وعائلته الى شيلي عام 1990 بعد زوال حكم الدكتاتور في مقابلة اجريت له في مجلة (بروغرييف-المتقدم الأميركية قال دورفمان:
(كان علي ان اكون في قصر (لامونيد) في ذلك اليوم الفاجع، كانت هناك قائمة باسماء الاشخاص الذين كان ينبغي وجودهم في الاوقات الطارئة وكان اسمي واحدا من تلك الاسماء ولكن احدا لم يتصل بي ذلك اليوم، وتركوني انام نومة عميقة، لم افهم السبب، لكن بعد ثلاث سنوات وبطريق المصادفة، قابلت الشخص الذي كان مسؤولاً يومها عن تنظيم تلك القائمة.. ومنه عرفت سر بقائي حياً، فقد اخبرني انه شطب اسمي من قائم المناوبة في ذلك الصباح وحين سألته عن السبب، صمت طويلاً، وتطلع نحوي قائلا: (حسناً كان لابد ان يبقى احد ما حياً ليروي ما حدث).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram