-2-
في اغلب أفلام المخرج الإيطالي الكبير فيلليني نقف عند موضوعة الحنين إلى السينما ، بدءا من (8.5) وليس انتهاء بـ(ساتيركون) أو (حنحز وفريد)، والسمة التي نكاد نلتمسها في غير مخرج إيطالي ولعل ابرزهم المخرج (جوسيبي تورانتوري) في فيلمه (سينما باراديسو) .. في العامين الأخيرين نشط إنتاج هذا النوع من الأفلام مع هيمنة التقنيات الجديدة في السينما، وانتشار ظاهرة صناعة الأفلام الثلاثية الأبعاد التي شكلت حضورا لافتا في الإنتاج السينمائي العالمي مع عدد غير قليل من الأفلام، خاصة وأنها بدأت تستهوي أسماء لامعة في هذه الصناعة، كما الحال مع المخرج الكبير مارتن سكورسيزي في فيلمه (هيوغو) الذاهب إلى الأوسكار بأربعة ترشيحات.
نقول انه مع هذا الاحتفاء الاستثنائي بالتطور التقني في صناعة الفيلم الذي أصبح فيه هو البطل الأوحد في المشهد الفيلمي، إلا ان عددا من السينمائيين مازال يحن الى ماضي السينما وفجريتها، مراهنا على رغبة شريحة كبيرة من جمهور السينما في استعادة مجد لم يأفل بعد للسينما ، زمن الصمت، والأبيض والأسود، والنجومية.
وبالرغم من أن الموسم الحالي والذي سبقه كان حافلا بالأفلام المحتفية بالمنجز التقني هذا ، إلا أن هناك فيلمين يمثلان استعادة جميلة لعصر السينما الجميل ، هما الفيلم الفرنسي ( الفنان) للمخرج ميشيل هازايافيكس الذي عرض في دورة كان الأخيرة ، والفيلم الأمريكي (أسبوعي مع مارلين ) للمخرج سيمون كيرتس الذي عرض في مهرجان دبي .
(الفنان) يستدعي إحدى أهم المراحل في صناعة السينما، المرحلة التي سبقت دخول الصوت إليها ، يوم كانت الصورة الوسيلة التعبيرية الأهم في الفيلم، فابتداء من تتر الفيلم وانتهاء بكلمة النهاية يحاكي الفنان زمن صناعة الفيلم في تلك الفترة المبكرة من عمر السينما، التي كانت لها أسماؤها ونجومها، وهو أيضا نوستالجيا لزمن سينمائي مازال الكثير يحن إليه.
وفي السياق نفسه يأتي فيلم (أسبوعي مع مارلين ) ، والذي يمثل تحية لمجد السينما في وقت هيمن فيه النجم السينمائي على المشهد، وكانت مارلين مونرو حينها سيدة هذا المشهد، وأحد أبرز نجومه ، سواء في أفلامها أو في سيرتها الحياتية التي مازالت حديث عشاق السينما، أو حتى في نهاية حياتها الدراماتيكية التي أصبحت لغزا محيرا.
يذهب بنا الفيلم إلى صيف عام 1956 ، عندما وصلت النجمة الأميركية "مارلين مونرو" إلى بريطانيا لتمضية شهر العسل مع زوجها الكاتب المسرحي الأشهر آرثر ميلر ، وأيضا لتصور فيلمها الجديد (الأميرة وفتاة الاستعراض)، الذي يشاركها فيه الممثل الانكليزي الأسطورة السير لورنس أوليفيه ممثلا ومخرجا ، في هذا الوقت يدخل الشاب العشريني (كولن كلارك) موقع التصوير للمرة الأولى في حياته بصفته مساعد إنتاج مبتدئا في الفيلم نفسه، وكان حديث التخرج من جامعة أكسفورد، يستعيد بعد أربعين عاما أشهر التصوير الستة في هذا الفيلم وتجربته في العمل مع النجوم من خلال سرد لمذكرات في فيلمه (الأميرة وفتاة الاستعراض، وأنا) ، لكنه يتغافل عن أسبوع من هذه الأشهر الستة لم يأت على ذكره ، وها هو في هذا الفيلم يسرد لنا القصة الحقيقية لهذا الأسبوع؛ أسبوع سحري أمضاه مع النجمة الكبيرة جدير بأن يسرد . الفيلم يقدم نظرة حميمية لم نعهدها من قبل إلى أهم رمز سينمائي على الإطلاق.
السينما تحيي السينما ، وتستعيد لحظات الكفاح لرجالاتها في سعيهم لإرساء أجمل دعائم الترفيه في السنوات المبكرة من عمرها.. وفي هذين الفيلمين يبدو الأمر وكأنه إشارة الى أن بهرجة التقنيات الحديثة لا يمكن لها أن تطمس تاريخاً رائعاً من الإنجاز.
احتفاء وتوثيق
[post-views]
نشر في: 24 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...