TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مهنة البحث عن المتاعب

مهنة البحث عن المتاعب

نشر في: 24 يوليو, 2013: 10:01 م

لكم أشفق عليهم أولئك الباحثين عن المتاعب، وأخص منهم كتّاب الأعمدة الثابتة في الصحف اليومية.
ذلك أنهم يعيشون القلق والهواجس، ليس كعامة الناس،،ذلك أنهم يلمحون النار قبل اندلاع اللهب،، ذلك أنهم يسمعون الأخبار على غير شاكلة مما يسمعها العوام. ذلك أنهم في عناء دائم لاختيار هذي الجملة بدل تلك، واستبدال تلك العبارة بغير هذي. ذلك أن – الغالبية منهم – على دراية بقوة هذا الحرف المضاف، أو تلك العلامة من التعجب أو الاستفهام. ذلك لأنهم يوقنون بسطوة الكلمة الصدق، ومدياتها الرحبة.
ذلك لأنهم يدركون أن الجملة تركيب كيماوي، هل فكر أحدنا وهو يعب جرعة الماء بماهية عناصر الماء؟؟ ذرتان من الهيدروجين، تتلاقحان مع ذرة من الأكسجين، لتنهمل قطرة ماء أو جزء من قطرة. يا للتعقيد.حسب الظامئ يطفئ عطشه بحسوة.
العبارة المؤثرة – حقا –تركيب كيماوي بالغ التعقيد، قد تتفجر بركانا لو أشفعت بأخرى , أو تصير نبعا أو قطف رياحين.. فما أشقها مهمة الاختيار، فالخوف غير الرعب، غير الفزع، غير الخشية، غيرالهلع،غير الجزع، وكلمة هجع،، غير اضطجع، غير أغفى، غير نام، غير واتته سنة من النوم، القرف لا يساوي الاشمئزاز، والسخرية ليست دائما فعل استخفاف..... يا للتعقيد!!
لوقع بعض الكلمات جرس، نغمة خفية، تدغدغ أوتار الحس والسمع، حتى ليقال إن علاقة الكلمات ببعضها، كعلاقات البشر،لها القدرة على الضم والعناق وفعل الحب – ربما – ضع كلمة ميتة مع أخرى ميتة، ستجد انه لا تلاقح بينهما، لا برعم ولا زهر ولا قطاف، لا حمل ولا ولادة ولا إرضاع. ضع كلمة مشحونة مع أخرى متوهجة ترَ البروق والرعود، وتلمح السنا بين الغيوم وتشهد زخ المطر، فإذا جئنا لمربض الكلمات لنرى أيها حي وأيها ميت، لم نجد لا هذي ولا تلك، فكل الكلمات ميتة، وكلها حية، وصنعة الكاتب البارع – وحدها- من يبعث الروح في الكلمة الميتة، أو يحمل الموات لكلمة زاخرة بالحياة.
أكتب تلك التداعيات، وعلى عيني اليمنى ضماد طبي، وفي اليسرى غبش، أجاهد لإعادة قراءة رسالة الأستاذ فخري كريم رئيس التحرير لكاتبات المدى وكتّابها، والالتزام بضوابط المهنة القدسية،
الله، كم هي شاقة مهنة الصحفي الأعزل إلا من صوت ضميره فيه، حتم عليه أن يتجول بين الألغام شرط ألا يفجر لغما أو ينفجر تحت قدمه لغم، عليه ان لا يتعب و لا يستريح،، عليه ألا يمالئ أو يزوغ أو يراوغ، عليه ألا يساوم أو يعرض قلمه –ضميره – في أقرب ساحة للمزاد.
و...الله، الله الله، كم هي شاقة أضعافا مضاعفة مهمة رئيس التحرير وهو يضع ضوابط لصحيفة مرموقة في بلد تشظى فيه كل شيء، وأبقى على مهنة المتاعب سالمة من كل سوء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram