اثناء تواجدي في البصرة واعدادي لسيناريو لقاء مع مسؤولين فيها، أَخَذَت تتجمع عندي الكثير من المعطيات المدهشة أو المحزنة أو الباعثة على اليأس. بعضها جديد بالنسبة لي، وبعضها معروف عندي وعند الكثيرين، لكن غَيَّبته كثرة "المُدْهشات" في بلد الحرائق.
أول المعلومات التي استيقظت من مجموع ما استيقظ عندي، هي هدرنا المستمر لما يقارب الـ(35) مليون دولار يومياً بسبب احراقنا للغاز الطبيعي؟ يا إلهي!! تأملت بالرقم لدقائق معدودة وأنا لا أستطيع استيعاب حجم الكارثة! هل يعقل أننا نهدر ثروتنا وثروة الأجيال القادمة بهذه البساطة؟! هل يعقل أننا نحرق ما يقارب المليون ونصف المليون دولار في كل ساعة؟!!
أيضاً آلمتني المعلومات المتعلقة بنخيل البصرة الذي تعرض لمذبحة وحشية، ولم ينقذه منقذ من قادة العراق، لا من مسؤولي المركز ولا من سادة البصرة المنكوبة. مزارع الحناء، هي الأخرى اختفت من الوجود وملوك الحنّاء من أهل الفاو تحولوا إلى وافدين موزعين على محافظات العراق. وطماطم البصرة التي تذكرت طعمها ما أن وردت بمعرض تذكري للثروات التي فقدتها هذه المحافظة. هذه الطاطم التي تحولت إلى سلعة بائرة في الأسواق الإقليمية بسبب الاشاعات التي تحدثت عن تلوثها بالإشعاع!
مع ذلك فإن لكن أكثر ما أدهشني من أحزان البصرة، هو قلَّة المعتصمين بسبب الكهرباء أمام مجلس محافظتها، فلم يتعد مجموعهم الأربعين معتصماً، يحدث هذا والبصرة واحدة من أشد مدن العراق حرارة ورطوبة، يحدث هذا والقطع غير المبرمج يجعل الكهرباء فيها اشبه ما تكون بالإشارات الضوئية، كما يتندر المعتصمون، يحدث هذا والبصرة تسبح على بحار من البترول، وفيها منافذ العراق الوحيدة إلى محيطات العالم وبحاره، يحدث هذا والبصرة تعاني من أكثر من (50) نوع من أنواع التشوه الولادي، بسبب التلوث باليورانيوم المنضب، كما أكد لي مسؤولون!
بحثت بين المعتصمين عن ممثلي منظمات المجتمع المدني، ثم سألتهم عنهم وعن مثقفي البصرة، وعن احزابها وعن رجال دينها وشيوخ عشائرها، قلت لهم أنتم في البصرة كما في اغلب محافظات العراق لا تعانون من عقدة الطائفية التي تعرقل الاحتجاجات فلماذا تصرخون وحدكم؟! فلم يجبني منهم مجيب، لكنني تذكرت حالنا في بغداد، فمعاناتنا لا تقل عن معاناتهم ومع ذلك نحن شراذم لا يجمعنا جامع.
المهم اريد أن أوجه دعوة مخلصة لا صدقائي وزملائي واساتذتي من نخب البصرة ـ ونخب جميع المحافظات التي تشهد احتجاجات خجولة ـ بأن لا يتركوا الفتية المحتجين لوحدهم يصرخون، فالاحتجاج ليس غاية بذاته، لأنه بالنسبة للمجتمع كما التفكير بالنسبة للعقل، هو أداة من أدوات الحياة.
نحرق 35 مليون دولار يومياً؟!!!
[post-views]
نشر في: 24 يوليو, 2013: 10:01 م