TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قضية: الأشيـاء تتداعـى

قضية: الأشيـاء تتداعـى

نشر في: 4 نوفمبر, 2009: 03:08 م

فريدة النقاش توافق صدور الحكم على الصحفي اليمني سمير جبران رئيس تحرير صحيفة «المصدر» بالحبس سنتين وسحب ترخيص صحيفته ومنعه من العمل الصحفي إلى الأبد قبل أيام، تصادف مع إعلان تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي درس الهوة الجندرية أي الفروق بين الرجال والنساء في الأجور وفي المواقع السياسية والاجتماعية ومستوى المعيشة عامة،
 وحيث يجري التمييز ضد النساء لأنهن نساء، درس المنتدى هذه الفجوة الشاسعة التي وصفها بالهوة في 134 دولة وجاءت اليمن في الترتيب الأخير. وفي توافق تام مع القيود المتزايدة على الحريات العامة في البلاد تزامناً مع انتشار الفساد واتساع قاعدة الحرب الأهلية في الشمال والغضب الشعبي في الجنوب. وكانت النيابة العامة قد وجهت للصحفي اليمني الذي اتهم الرئيس علي عبدالله صالح بالضلوع في الفساد بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وفقاً لنصوص استعارها اليمنيون من القانون المصري، إذكانت التهمة في الأصل هي العيب في الذات الملكية، وحين صدرت الدساتير الجمهورية المختلفة انتقل النص ليصبح إهانة رئيس الجمهورية وطالما كافح الصحفيون المصريون واليمنيون لإلغاء الحبس في قضايا النشر، وتماما كما فعل الرئيس المصري أعلن الرئيس اليمني أنه أصدر تعليماته قبل عامين بعدم حبس الصحفيين في قضايا النشر، ولكنه أيضاً لم يلغ القوانين التي كان قد وعد بإلغائها وبقيت سيفاً مسلطاً علي رقاب الصحفيين اليمنيين مثلها مثل القوانين المصرية، وبقي الوعد اليمني كما الوعد المصري حبراً على ورق. وتتعلم النظم الاستبدادية العربية من بعضها البعض إذ تبقي مساحة الحرية الواسعة التي تتمتع بها الصحافة حرية عرفية بقرار رئاسي ضمني أو وعد كما يسميه البعض ولكن هذاالقرار الرئاسي أو الوعد يمكن إلغاؤه في أي وقت لتبرز الأنياب المسنونة لترسانة القوانين المقيدة للحريات والجاهزة للتطبيق عند الضرورة لتأديب المتمردين، وتخويف الشجعان، وإسكات الخائفين أي شل الروح النقدية للمجتمع كله، والحيلولة دون بناء حالة موضوعية عقلانية تشكل رافعة وسنداً للتطور السلمي الديمقراطي بديلاً عن الاضراب و الفوضى التي شاعت فعلاً في اليمن في السنوات الأخيرة بعد أن أغلق الحكم الاستبدادي أبواب الحوار والتغيير الذي كان يمكن انجازه عبر المصارحة والتوافق الوطني وبعد أن تحولت الوحدة بين شطري البلاد التي قامت على أسس طوعية إلى إلحاق الجنوب وإخضاعه لسلطة الاستبداد في الشمال، بعد أن كان الشعب اليمني قد اندفع في اتجاه الوحدة مفعماً بالأمل، ومتطلعاً للديمقراطية والعدالة والكرامة والحداثة، فضلاً عن التشوق للدور الجدير بهذا البلد الكبير في الجزيرة العربية لما لليمن من تاريخ وتراث عريق واسهام مرموق في الحاضر العربي قدمه شعبه رغم كل العقبات التي كرست التخلف والاستبداد. وحين انتعشت حركة تحرير المرأة في البلدان العربية متوافقة مع التوجه العالمي الذي دشنته مؤتمرات الأمم المتحدة للنساء منذ عام 1975 بدءاً بالمكسيك واعتماد الأمم المتحدة 8 مارس/ آذار يوماً عالمياً للمرأة تتويجاً للكفاح المجيد الذي خاضته ملايين النساء في كل بلدان العالم من أجل العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية سارعت القوى الرجعية والظلامية العربية بتوجيه الاتهام لهذه الحركات باعتبارها مستوردة، بل وقاموا بملاحقة النساء القائدات في عدد من البلدان ومن ضمنها اليمن ومصر ساعين لإسكات كل الأصوات المطالبة بالحرية وحبس النساء داخل النقاب والحجاب أو في البيت. وها هي الوقائع تؤكد مجدداً أن كل الظواهر ترتبط ببعضها البعض، وتبين أن العدوان على حريات الصحفيين يظل وثيق الصلة بتدهور موقع اليمن فيما يخص الفجوة النوعية (الجندرية)، ذلك أن الحريات العامة لا تتجزأ. وليس غريباً والحال كذلك أن تأتي المنطقة العربية في ذيل قائمة مناطق العالم لا فحسب من حيث عدم توفر الحريات العامة فيها ومنها حرية الصحافة وإنما أيضاً من أوضاع النساء التي تتدهور بانتظام، ومستويات المعرفة والتعليم المتدنية التي أسفرت عن خروج كل الجامعات العربية من قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم رغم الاحتفال في العام الماضي بمرور مئة عام على إنشاء جامعة القاهرة. الأشياء إذن تتداعى، والأواني المستطرقة تصب في بعضها البعض، ويغرق الوطن العربي في دوامة الفساد الذي يحمي الاستبداد، ولم يكن مفاجئا والأمر كذلك أن تسقط المنطقة في قبضة التبعية للامبريالية، ويفتقر حكامها للإرادة السياسية المستقلة والحرة بعد قمع الشعوب وإفقارها وإخراجها من معادلات القوة. ولكن لتداعي الأشياء حد ونهاية وعندها سوف تكون اليقظة الشعبية التي ستضع حدا لكل هذا الهوان وقد لاحت بشائرها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram