تباينت تصريحات المسؤولين بشأن أعداد الهاربين من سجن بغداد المركزي (أبو غريب سابقا) واختلفت آراؤهم بشأن حجم المعاناة التي يتعرض لها المواطنون من سكنة المناطق التي تحيط بذلك السجن، الذي شهد اكبر عملية هروب في تاريخ السجون العراقية على مر التأريخ على ال

تباينت تصريحات المسؤولين بشأن أعداد الهاربين من سجن بغداد المركزي (أبو غريب سابقا) واختلفت آراؤهم بشأن حجم المعاناة التي يتعرض لها المواطنون من سكنة المناطق التي تحيط بذلك السجن، الذي شهد اكبر عملية هروب في تاريخ السجون العراقية على مر التأريخ على الرغم من التحوطات الأمنية والتحصينات التي يشهدها هذا السجن
 وقبل أن نتحدث عن الأوضاع التي يعيشها المواطنون في تلك المناطق اثر معايشة ميدانية قام بها فريق (المدى) لابد من الحديث عن ظاهرة التصريحات المتباينة التي يطلقها متسيدو الساحة السياسية والتي هي في اغلبها إما من اجل التسقيط السياسي او التعتيم على حقيقة ما يحدث وجعل الشارع في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وكأن ذلك الوضع المأساوي هو هدف الفريقين سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية.

فيلم الهروب الكبير
في الوقت الذي اعلن أحد موظفي السجون التابعة لوزارة العدل في بيان مرتبك عن أرقام غير دقيقة لأعداد النزلاء المفقودين، خرج النائب حاكم الزاملي عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ليؤكد للإعلام ان عدد السجناء الهاربين يتراوح ما بين 500-1000 سجين، واصفا الامر بالخطير وانه لم يحدث في اية دولة اخرى حتى في الصومال، بحسب وصفه، واتهم الزاملي ادارة السجن بالتواطؤ في ترتيب هروب السجناء، هذا وقد أسفرت الهجمات عن استشهاد (41) عنصرا من الحراسات على الاقل، وشاركه بنفس المعلومة زميله في اللجنة النائب شوان محمد طه في تصريح نشر على موقع حزب الاتحاد الوطني، واعتبر بعض الاعلاميين ان عملية يوم الأحد تعد اكبر عملية هروب في تاريخ السجون العراقية، واطلق الاعلامي عماد الخفاجي على فيلم الأحد (الهروب الكبير).

العدل:590 سجيناً هارباً
اما وزير العدل حسن الشمري قال في تصريحات اعلامية امس الاول إن عدد المفقودين من سجناء ابو غريب هو بحدود (590) سجينا، مؤكدا ان جميعهم لم يحكموا بالاعدام، بل ان بعضهم كما بين الشمري على ذمة التحقيق ولم تصدر اية اتهامات ضدهم، واتهم الشمري استخبارات الداخلية بالتواطؤ، مطالبا رئاسة الوزراء برفع يد الاستخبارات من السجون، واكد الشمري خلو أبراج الحراسة والمراقبة التي تحيط بسجن ابو غريب من أي وجود لعناصر الحماية أثناء الهجوم الارهابي، موضحا بان هناك سرية حماية خارج السجن تعدادها (120) عنصرا لم يتواجد منها غير ضابط واحد وعنصريين أمنيين اثناء الهجوم الارهابي بحسب قوله، فيما ذكر النائب امير الكناني في تصريحات اعلامية ان عدد الهاربين وفق الاحصائية الاخيرة بانه (790) سجيناً، بحسب قول الكناني.

عفوٌ تصدره القاعدة
في السياق ذاته يرى المتابع للاحداث ان هناك محاولة لتغطية الانتكاسة الامنية الكبيرة من بعض اعضاء دولة القانون للتقليل من اهمية الحدث، او التحدث بأرقام وهمية عن أعداد الهاربين لإشغال الرأي العام بأمور بعيدة عن حادثة السجن، ومثال ذلك هو عدم تطرق السيد رئيس الوزراء لأعداد الهاربين وكيف حدث الامر وماهي الاجراءات المتخذة، بل ذهب بالحديث عن اتهام الجماعات التي حاربها في بغداد والبصرة بحسب قوله، متجاهلا ما حدث من انهيار امني كبير تمثل بما يشبه إصدار عفو رسمي من قبل القاعدة لمجرميها على مرأى ومسمع من قوات الحكومة، وهذا ما يعطي حافزا كبيرا للمجرم بانه حتى وان القي القبض عليه فعاجلا ام آجلا سيطلق سراحه بفضل أخوته من المجرمين،وهذا ماجاء في بيان القاعدة الذي نشر على موقع حنين المعني بنشر أخبارها حيث ذكر البيان "ان العملية جاءت استجابة لنداء الشيخ المجاهد ابي بكر البغدادي حفظه الله في ان تختتم خطة (هدم الاسوار)التي بدأت قبل عام من اليوم بغزوة نوعية تقهر الطواغيت المرتدين وتكسر القيود وتحرر الاسود الرابضة في غياهب السجون"، واعلن التنظيم عن "تحرير المئات من اسرى المسلمين بينهم ما يزيد على (500) مجاهد من خيرة من ولدتهم الأرحام".

منطقة عرب عباس
فريق المدى المتألف من الزملاء محمود رؤوف وعامر حامد وعلي مهدي وكاتب هذه السطور حافزه بالذهاب الى منطقة الحدث، الاطلاع على الحقائق ميدانيا خاصة وان عدة بيانات صدرت من عدة نواب كانوا بالامس مطالبين بالعفو عن هؤلاء واليوم وبعد هروبهم وصفوهم بالمجرمين ولا يجب فرض الحصار على المواطنين في منطقة ابو غريب وأخذهم بجريرة هؤلاء المجرمين بحسب بيانات وتصريحات من قبل النائبين طلال الزوبعي وناهدة الدايني.
وصلنا بعد رفع حظر التجوال بساعات عن المنطقة والذي استمر من ليلة الأحد الماضي حتى منتصف ظهيرة الخميس، تجاوزنا سيطرة جسر ابي منيصير لندخل منطقة تسمى (عرب عباس) وهي اكثر مناطق ابو غريب التي شهدت الاحداث لقربها من سجن ابو غريب الذي دخل التاريخ من اوسع ابوابه سواء بهذه الحادثة او سابقاتها من حوادث تعذيب السجناء تحت سلطة الاميركان.

انفجارات ولم نعرف ما يحدث
يقول ابو حازم الذي رفض ذكر اسمه وهو من قرية عرب عباس التابعة لمنطقة ابو منيصير ان المنطقة كانت محاصرة منذ اربعة ايام ولا يمكن لاي فرد أن يسير في الشارع بناءً على تعليمات صدرت من القوات الامنية، مبينا ان تعامل القوات العسكرية أثناء التفتيش تعامل طيب وينم عن احترام كبير لحرمة البيوت وهو على العكس تماما من عمليات المداهمة التي كانت تحدث في السابق بحسب قول ابو حازم، مضيفاً أن مساء يوم الاحد كان يوما طبيعيا كبقية الايام لكنه عند الساعة التاسعة والربع تقريباً، أو بعد صلاة العشاء مباشرة انقلب الهدوء الى جحيم حيث تحولت المنطقة الى ساحة حرب، وبجميع انواع الاسلحة بحسب قول ابو حازم، موضحا ان جميع ابناء المنطقة استجابوا لنداء الجيش بالدخول الى المنازل، خشية وحرصا على المواطنين من شظايا القنابل والرصاص المتبادل بين الطرفين، وبين ابو حازم بان شأنه شأن ابناء المنطقة لم يعرف ما يحصل الا بعد اعلان الفضائيات للخبر في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين.

مواطن: تصورته انقلابا في بغداد
المواطن ابو احمد وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية وعلى الرغم من ان محله الواقع ضمن داره القريبة من السجن الا انه اكد للمدى بانه بلغ من قبل حرس البرج الخارجي للسجن بضرورة اغلاق محله وامروا جميع المواطنين بالالتزام في منازلهم وعدم مغادرتها حتى اشعار آخر، واكد ابو احمد بانه كبقية ابناء المنطقة لم يعرف ما حصل الا بعد تصريحات بعض المسؤولين من خلال وسائل الاعلام، مضيفا بانه والعائلة كانوا يسمعون دوي الانفجارات وصراخا لم يفهم استمر حتى صباح يوم الاثنين، موضحا ان المعارك استمرت من الساعة التاسعة مساء حتى السابعة صباحا من يوم الاثنين، ولم يخف ابو احمد شعوره وعائلته من ذلك الكابوس الذي جعلهم في صحو تام طول الليل، مؤكدا للمدى بانه اعتقد في تلك الليلة ان هناك انقلابا يحصل في بغداد، خاصة وان اسلحة ثقيلة نسمع دوي قنابلها استخدمت في تلك المعارك كما يقول ابو احمد.

محمود وعمليات التفتيش
لا أخفيكم بان حجم التواجد العسكري الموجود هناك يعطي لأي متابع صورة حزينة عما حدث، فالقلق في عيون الجنود عنوان رئيسي، مدرعات واقفة واخرى تدور ضمن خط شروع معين لها، سيارات حمل عسكرية تحمل مؤونات غذائية وصناديق من قناني المياه، ابراج المراقبة على طول الطريق الواصل بين منطقتي ابو غريب و الحصوة مرورا بخان ضاري تسكنها عناصر الجيش وهي على أهبة الاستعداد بعد الاحداث المأساوية التي حصلت.
محمود شاب وقف على الطريق وقد يكون من ضمن عشرة الى عشرين شخص شاهدناهم يسيرون على الطريق الطويل، وهو مايدل على خوف الناس الذي مايزال مترسبا ومتأتيا من ليلة الاحد المشؤومة، يقول محمود ان عمليات التفتيش حدثت في اليوم الاول من قبل لواء المثنى، اما في بقية الايام فقد جرى تفتيش البيوت من قبل قوات قادمة من بغداد قيل عنها والكلام لاحمد هي استخبارات قيادة عمليات بغداد، مضيفا ان عمليات التفتيش تبدأ من الساعة السادسة صباحا حتى منتصف النهار، ثم يبدأ التفتيش الآخر من بعد الفطور حتى الفجر، وعن طبيعة عمليات التفتيش وهل حدثت انتهاكات فيها اكد محمود بان تعامل العناصر التي تقوم بالتفتيش كان تعاملا طيبا ولم تحدث به اية خروقات بحسب قوله.
إلقاء القبض وعمليات قتل للهاربين
ابو عبد الله وهو صاحب محل مواد غذائية لبيع الجملة اكد للمدى ان عملية التفتيش تجري بطرق الباب وطلب بطاقة السكن وكذلك البطاقة التموينية وهويات الاحوال المدنية ومطابقتها مع الموجودين داخل الدار من العائلة وبأسلوب حضاري، مضيفا بان الحق كان معهم في تلك العملية لكونهم يبحثون عن مجرمين ويجب ملاحقتهم، وعن مشاهداته ماحصل وهل رأى هاربين تم القاء القبض عليهم اكد ابو عبد الله ان الجميع آثر البقاء في البيوت ومع ذلك -والكلام له- ان بعض الهاربين التجأوا الى المبازل المحيطة بالمنطقة وتمت محاصرتهم من قبل القوات الامنية وتم القاء القبض على بعضهم، والبعض الاخر الذي قام باطلاق النار على القوات الامنية تم قتله بحسب قوله، مضيفا بان العديد من المبازل تم حرق قصبها وأحراشها من قبل القوات الامنية بعد محاصرتها، مؤكدا بانه لايعلم هل احترق فيها بعض الهاربين ام لا.

ذبح الدواجن والعودة إلى الخشب في الطبخ
 المواطن حسين بين للمدى ان اجمل ما في ايام حظر التجوال التي شملت مناطق ابومنيصير وعرب عباس وقرية زوبع ومنطقة العماير (الشقق) والمنطقة الأولى والثانية هو عدم انقطاع التيار الكهربائي طيلة ايام الحصار، مضيفا انه بنفس الوقت توجد العديد من المعاناة التي عانى منها سكنة تلك المناطق، منها -والكلام للمواطن- عدم وصول الخضار واللحوم والمواد الغذائية لتلك المناطق، واعتمد المواطن على مخزونه الغذائي داخل البيت، موضحا بان الرز ومادة العدس أصبحتا أكلتهم اليومية حيث لاوجود للخضار بانواعه وكذلك غياب اللحوم البيضاء والحمراء تماما عن مأدبة الافطار، وعزا حسين ذلك لقطع الطريق الواصل بين ابو غريب وبغداد وكذلك بينه وبين الفلوجة التي يعتمد على مزارعها وبساتينها في مسالة الخضار والفواكه وبقية المواد الغذائية، مضيفا ان ما زاد من صعوبة الامر هو عدم وجود سائل الغاز بعد نفاد القناني، حيث وصل سعر قنينة الغاز الى 20 الف دينار ولا يمكن الحصول عليها الا بالتوسل كما يقول حسين، مما اضطر بعض المواطنين الى استخدام الطباخ النفطي(الجولة) في طهي الطعام او استخدام الموقد بحرق الخشب وطهي ما تريد من طعام عليها، موضحا بان بعض العوائل اضطرت الى ذبح دواجنها من الدجاج وغيره من الطيور في سبيل إدامة سفرة رمضان المبارك بحسب قوله.