مهما حاول البعض الإيحاء بأن زيارة العاهل الأردني إلى القاهرة، وهي الأولى لزعيم عربي بعد إطاحة مرسي وإخوانه، تمّت لأسباب داخلية تتعلق بمناكفة الملك لإخوان الأردن، الغاضبين أشدّ الغضب، بسبب تطورات الأوضاع في مصر، وتصاعد القلق على مصير مُرشدهم، فإن الواقع يُكذّبهم، ويؤكد أنّ الزيارة التي وصفها البعض بالمتسرعة، وهاجمها الإخوان باعتبارها خيانة لطموحات الشعوب، تتصل أولاً بالوضع الاقليمي السائد، بما فيه فشل التجربة الإخوانية في حكم مصر، حيث تبرز الحاجة لإعادة إحياء وتمتين محور الاعتدال العربي.
قبل الزيارة، كما ينبغي القول، كثّف كبار المسؤولين الأردنيين حملة اتصالات هادئة، مع نظرائهم في العواصم الفاعلة، لتقوية محور الاعتدال في مواجهة محور الممانعة، الذي انتعش من حركة الشارع في عامي الربيع العربي، وهناك أنباء عن غرفة عمليات، من مسؤولي هذه العواصم اجتمعت في عمان، التي لعبت دوراً حيوياً في تصليب عود المحور، وتشبيك أطرافه، لتنسيق المواقف المُشتركة في الملفات المختلفة، وهكذا فإن الزيارة لم تخرج عن سياق ترتيب أوراق المحور القديم المتجدد، في ظل وضع سياسي متوتر تشهده المنطقة، ومساع أميركية وإقليمية، لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لا يساورنا الشك، بأنّ مواقف الإخوان في الأردن، وقد تحولت مواقفهم تجاه الدولة، واتّسمت بالحدية تجاه النظام الهاشمي خلال العامين الماضيين، دفعت إلى القلق من تصاعد نفوذ الإسلام السياسي، خصوصاً في مصر، والشعور بخطر تشكل محور إقليمي جديد، تكون مصر لاعباً أساسياً فيه، يقوده برعاية تركيا التنظيم الدولي للإخوان، ما دفع صاحب القرار، وهو يرى البلد تتضرر من مايجري، وقد تحولت إلى ملجأ لمئات آلاف اللاجئين السوريين، إلى السعي لأن تتمكن دول الاعتدال، من الإمساك بزمام المبادرة، في منطقة تعصف بها الاضطرابات من كل جانب.
الراهن بعد الزيارة، أنّ محور الاعتدال يتهيأ للعب دور محوري في قضايا الإقليم، مُستنداً إلى صيغة جديدة، يكون الثقل الكبير فيها للسعودية، لكنّه محورٌ سيظل أعرجاً بدون مصر، التي ستمنحه ثقلاً يواجه الدور التركي، الساعي لتحقيق سيادة الاسلام السياسي في المنطقة، عبر حكم الإخوان المسلمين، كما أنه محور سيلعب دوراً في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية، فالزيارة في واحد من وجوهها، تستهدف ترتيب أوراق كافة المعنيين بالسلام، للانطلاق مجدداً بمفاوضات الحل النهائي للصراع
بديهي أن الأردن الفقير مالياً، لايستطيع دعم مصر بالطريقة الخليجية، لكنه يمتلك أوراقاً أخرى، قد يراها البعض معنوية، تتمثل بدعم لوجستي غير محدود، لمصر المتحررة من نفوذ الإخوان، وهذا مطلب مفصلي وحيوي للأردن، ولكل أطراف محور الاعتدال، في ظل الترتيبات الجارية في المنطقة، والمتعلقة بتسارع خطوات تسوية المعضلة الفلسطينية، ما يعطي لدول الخليج دوراً بارزاً في تمويل الحل التاريخي، الذي يتطلب استقرار أوضاع مصر، وانتشال الاردن من أزمته المالية، ومُحاصرة حماس في إمارتها الغزيّة.
واضح أن الحصة الأردنية من الأدوار، في الحل النهائي للقضية الفلسطينية وفيرةٌ وأكيدة، فعمّان ستحظى بحصة أساسية من تمثيل مصالحها، عندما يتعلّق الأمر بقضايا المياه واللاجئين والقدس، وستعلب دوراً محورياً في السياقات الإقليمية، حالياً ومستقبلاً، وهو دور أصبح اليوم شبه مضمون، وهذا ما دفع العاهل الأردني للإسراع بزيارة مصر، فهل يفهم الإخوان؟.
الأردن والتطورات المصرية
[post-views]
نشر في: 26 يوليو, 2013: 10:01 م