حاول وزير العدل حسن الشمري أن يقف في المنتصف، لا يثير الغضب عليه من قبل المالكي ومقربيه، وفي نفس الوقت يحافظ على درجة الإثارة في موضوعة هروب سجناء أبو غريب والتاجي، وظَلّ طوال حديثة لقناة الحرة أول من أمس ، يلعب في هذه المسافة ، التي لم يقل فيها كل شيء، لكنه كشف لنا ربما دون ان يدري الطريقة التي تدار بها مؤسسات الدولة، وكيف يقطع البعض الطريق على أحلام بناء بلد معافى ومستقر.
وزير العدل في روايته يقول: إن معظم الهاربين هم موقوفون على ذمة قضايا لم يتم البت فيها، وان العديد منهم ينتظر الإفراج عنه، ولا يوجد بين 850 هاربا محكوم واحد بالإعدام، ويضيف ان غياب الحراسة على أبراج السجن كانت السبب، مؤكدا انه لو كان هناك شرطيان لما استطاع احد أن يهرب!، هل سمع أحدكم يوما أو قرأ مثل هذه الكلمات التي تستخف بعقول الناس، الوزير ربما نسي أو حاول أن يتناسى ان وزارة العدل كانت قد أصدرت بيانا أكدت فيه أن نحو تسعة انتحارين وثلاث سيارات مفخخة استخدمت في الهجمات على السجنين فضلا عن تعرضهما إلى قصف بأكثر من 100 قذيفة هاون، فهل يمكن لمثل هذه القوه ان يهزمها شرطيان ببنادق كلاشنكوف؟. ونبقى مع بيان الوزارة الذي اكد الذين هربوا مجموعة من الذين بحقهم أحكام مختلفة، بينها الإعدام.
حديث السيد الشمري ذكرني ببيان النصر الذي أصدرته وزارة الداخلية، وبثت من خلاله البشرى لكافة العراقيين من ان "قيادة عمليات بغداد أحبطت هجوما مسلحا شنه مسلحون مجهولون استهدف سجن التاجي وسجن أبي غريب، وأن القوات الأمنية تصدت للمهاجمين وأجبرتهم على الفرار في اشتباكات استمرت حتى الصباح حيث فرضت سيطرتها التامة على المنطقتين".. وليخسأ الخاسئون والله أكبر والنصر لنا!
لماذا إذن النفير؟ لماذا يخرج علينا رئيس مجلس الوزراء ليقول ان: حراساً في سجن أبو غريب تابعين لميليشيا جيش المهدي تواطأوا مع المهاجمين وفتحوا أبواب السجن لهم، ما قاله وزير العدل لا يختلف في شيء عمّا يقوله أشقاؤه من المسؤولين، فهي مجرد جمل مزوّقة ومرتبة تضاف إلى أرشيف كوميديا الحكومة، ذلك أن فقرات العرض الذي قدمه لنا السيد الشمري، ربما يكون موجهاً لجمهور من جزر الواق واق، فالسيد الوزير يقول إن سبب المأساة التي حدثت في السجون هو أن المسؤولية عنها انتقلت من وزارته إلى وزارة الداخلية، ونسي السيد الوزير ان السجون شهدت في أثناء ولايته عليها العديد، من عمليات الهروب الجماعي دون ان تحرك الوزارة ساكنا.
كنت أتمنى أن يجيبني السيد وزير العدل وهو يَسبح في حديث الخيال، عن الطريقة التي يستطيع فيها بواسطة شرطيين فقط ان يصد هجوماً استخدمت فيه القذائف والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، عسى أن نستفيد من طريقته هذه في محاربة الإرهاب، وان يقول لنا: لماذا لم يخرج مسؤول حتى هذه اللحظة ليعتذر للعراقيين عن هذه الفضيحة؟
عندما يهرب 850 سجينا، فهذا يعني أن سطوة الأجهزة الأمنية تتلاشى، وانها عاجزة عن ردع سجناء داخل المعتقل، فكيف يمكن لها أن توفر الأمن للناس في الشوارع؟!
المواطن يتساءل: لماذا ينجو من العقاب الأشخاص المتورطون في تهريب الإرهابيين؟، لماذا يعيش المفسدون آمنين مطمئنين يتمتعون بما أغدقت عليهم مناصبهم من مال ورفاهية؟ أسئلة يطرحها الناس كل يوم وهم يقرأون ويشاهدون ويسمعون عن قضايا فساد ومخالفات أمنية قاتلة ينجو أصحابها من سيف القانون.
المعنى الوحيد لمثل هذه النوعية من الجرائم التي تكررت كثيرا هي، أن هيبة الدولة قد اختفت أو تكاد، وأن جزءا كبيرا من الخارجين على القانون قرر التعامل مع الأجهزة الأمنية باعتبارها غير موجودة أو على الأقل لا خوف منها وتلك هي الكارثة.
وأنا أسمع ما قاله الوزير تيقنت أننا نعيش مع أناس يتصورون انهم مازالوا قادرين على خديعة الناس، رغم أن اللعب اصبح مكشوفا والأبواب المغلقة اختفت، المواطن العراقي بات يدرك أنه يعيش في ظل مأساة لن تنتهي، إلا باختفاء سياسيي الصدفة من المشهد.
بعد أيام من الصراخ والهتافات، وبعد حفلات الدموع والهزيمة حزنًا على هروب عتاة القاعدة، صدرت أوامر بتغيير العرض، فانقلب الجميع فجأة إلى البحث عن مشهد كوميدي جديد، فقد أتحفتنا وزارة الداخلية ببيان كشفت فيه عن المتورطين باقتحام السجون، وهم تسعة عشر بائعا متجولا، ألقت القوات الأمنية القبض عليهم في مناطق متفرقة من بغداد ضمن عملية أمنية واسعة.
أى عار يلحق بإنسانيتنا، إذا نحن صفقنا لخيال المسؤولين واكاذيبهم، وصمتنا عن المطالبة بمحاسبتهم وطردهم؟
"خيـال" وزير العدل
[post-views]
نشر في: 26 يوليو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
عواد
وزير العدل لازال وزيرا للعدل ولم يستقل بعد الكارثة البلد بحاجة الى دم مستورد للذين ليس لديهم دم .
ابو حسن
المفروض على الوزير ان يجيب على هذا التساؤل ,كيف يمكن لشرطيين ان يوقفو هذا الهجوم وهل نحن بالقرون الوسطى لكي نعتمد على ألأبراج بدلا من كاميرات المراقبة, بصورة عامة اذا كنت لاتستحي فصرح ماشئت ولاحول ولاقوة الا باللة العظيم