TOP

جريدة المدى > عام > وجهة نظر..حين "تتحجب" الموسيقى العربية في رمضان !

وجهة نظر..حين "تتحجب" الموسيقى العربية في رمضان !

نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م

يجيد أساطين الترويج الغنائي في الفضائيات العربية فنون الحذلقة، لا في مجال " استثمار" نجوم الطرب في الاستعراضات السياسية وحسب، بل في وضع " الحجاب " على الاطار الفضائحي لسيل متدفق من الأغنيات خلال شهر رمضان. والحذلقة حين تتحول أغنيات "الأجساد الراقصة"

يجيد أساطين الترويج الغنائي في الفضائيات العربية فنون الحذلقة، لا في مجال " استثمار" نجوم الطرب في الاستعراضات السياسية وحسب، بل في وضع " الحجاب " على الاطار الفضائحي لسيل متدفق من الأغنيات خلال شهر رمضان. والحذلقة حين تتحول أغنيات "الأجساد الراقصة" في " الشهر الفضيل" الى موشحات وجلسات تخت شرقي فضلا عن بعض القوالب الكلاسيكية الغنائية العربية.
وقبل ايام من نهاية شهر رمضان تبدأ القنوات في نزع" حجابها" الغنائي المتحذلق ، وتبدأ حفلات الغناء او إعلاناتها ، كأن الفضائيات العربية تقول ان "الهدنة" التي التزمت بها عنوة مع بث الأغنيات اياها، آيلة الى الانتهاء، وان الطوفان النغمي الفج، قادم مع بهارات النسوة والدلع وزوايا التصوير المثيرة حين تركز الكاميرا على الأجزاء الرجراجة من الأجساد الأنثوية المبذولة بين لقطات "الفيديو كليب".
و"الحجاب" الذي تلتزمه بعض الفضائيات الغنائية والمنوعة، يبدو رحمة للأذواق الرفيعة والأسماع الراقية، فهو يوقف تدفق مئات "الأغنيات المائعة" التي تعلي الضجيج على حساب النغم الرفيع، الاغنيات التي تهين المرأة بالرغم من ابداء العاطفة نحو المرأة هو الموضوع الغالب لتلك الاغنيات، والاهانة هنا تأتي من وجود عشرات الفتيات في كل اغنية، كأثاث تزييني راقص، حتى في الاغنيات التي تغنيها المطربات!
وفي رمضان يكون " الحجاب الغنائي" فضيلة لاكثر من شبكة تلفزيونية عربية ممن تعتاد في موائد سهراتها وبرامجها تقديم كل "التوابل" التي يستخدمها نجوم الاغنية العربية للتغطية على المعدن الموسيقي الرديء.
وحين يسأل المشاهد أين الغناء في كل هذا، أين الطرب، أين النغمة الجميلة، أين المعاني الوجدانية؟ فان عليه ان يخرس هذه الأسئلة فالوقت ليس وقت الغناء الجميل، وليس وقت المشاعر، انما هو وقت الإثارة، وقت الأغنيات الفضائحية، وما يحمله رمضان يبدو رحمة حقيقية، فهناك عودة ما لفن حقيقي اسمه "المقطوعة الموسيقية"، المؤلفة لالة معينة مع الاوركسترا، او للاوركسترا بشكل عام، وهو الفن الذي صاغ منه الراحلون: رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب، فريد الاطرش، وتوفيق الباشا، فنا قائما بذاته، الى جانب صوغ الحان لالة معينة دون غيره، وغالبا ما يجتهد في تقديمها عازفون بارعون على الات العود والقانون على الاغلب، والكمان في احيان نادرة.
في الشهر الفضيل ايضا، تصبح الفرصة متاحة للاتصال بحفلات للموسيقى العربية الاصيلة وبخاصة، فنون التواشيح والابتهالات، والادعية التي غالبا ما تعتمد نصوصا شعرية تورث الفضائل الروحية والنقاء الوجداني. وهي تظاهرات ثقافية تراعي شهر رمضان حتى وإن جاءت محمولة على اجنحة الموسيقى والغناء، واعتادت مؤسسات مثل "دار الاوبرا" في القاهرة، وبعض المراكز والمهرجانات الثقافية في تونس وبيروت ومراكش وعمّان تقديمها، ويحييها مطربون عرفوا بقدرات صوتية عالية وبصحبة فرقة موسيقية من عازفين مهرة لتقديم اغنيات تقارب الجانب الروحي الصرف، فضلا عن مجموعة من الموشحات التي غالبا ما يقدمها المطربون في لفظ طليق للمفردات وبعربية سليمة عذبة ورقيقة، فمع غناء الموشحات تتصاعد تجليات الصوت وتصل بالجمهور المستمع في امسيات رمضانية مختارة الى حالة من الانشداد الروحي، عبر مجموعة من القصائد المغناة من عيون الشعر العربي، حيث الفخامة في اللفظ والصورة، والتهذيب العالي في طريقة التعبير على الاشواق والانشغالات الروحية.
ومن الموشحات تنتقل الأصوات الغنائية الى الغناء الشرقي الرصين، ومعها تكون لازمة "الامان" كدلالة صوتية ولازمة في الغناء العربي والشرقي، ولتتصاعد الوان من العشق والوله الروحي اعتماداً على نصوص الوله والنجوى والعشق.
الانحسار القسري الذي يفرضه شهر رمضان على ابتذال مفرط في الاغنية العربية المعاصرة، يبدو فضيلة تنشدها الاسماع التي ستجد وقتا ما لتنقية ذاتها مما علق بها من ضجيج نغمي ومشاعر ساذجة بل ينقصها الكثير كي تصبح لائقة بالسوية الإنسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عادل الحيدري

    التقاطة واعية جدا من الكاتب لماساة تخريب الحس الذوقي للمواطن العربي ودعوة امينة لانقاذ ما تبقى من ثقافتنا من ضياع الهوية والغرق في تفاهات اللاذوق التي خربت الذائقة الحسية للانسان العربي فاخلقت اجيال لا تعرف من الموسيقى غير ما تبثه الفضائيات من اعمال هابط

  2. جعفر عباس

    مما لا شك به ان ما اصاب الشعوب العربيه خلال الفترة الماضيه من احباطات سياسيه واقتصاديه واجتماعيه له الاثر البلغ في تردي الذوق العام ومنه عالم الموسيقى الرحب والذي اصبح فيه مقياس لتطور الشعوب ولو تمحصنا الذائقه الشبابيه ونظرنا تدافع الشباب لسماع الفن الرخي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram