TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العظيم جرّاحٌ ومريضه نفْسُه

العظيم جرّاحٌ ومريضه نفْسُه

نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م

هل حدث وان تساهلت مع أول ملف فساد قُدم إليك ويثبت تورط مقرب من مقربيك؟ إذا كنت قد فعلت ـ ومهما كانت الاسباب ـ فلا تقل لي بعد ذلك أنك نزيه، لأن النزيه لا يكيل بمكيالين.. طيب، فهل فكّرت يوماً، بأنك تستطيع أن تواجه فساد الآخرين بعد أن تسامحت مع فساد مقربيك ومجموعة الملتفين من حولك؟ لا أعتقد بأنك تفعل ، لأن هذا الخطأ لا يقع به غير السذّج، ولست ساذجاً أبداً، وكنت تعلم جيداً بأن قدرتك على مواجهة الفاسدين رهن بنزاهة المقربين منك، فمن غير المعقول ان تستطيع مواجهة شرٌ ما، بمجموعة من المصابين بمسّ من هذا الشر.
إذاً فقد بدأت خطوات انهيارك أمام الفاسدين، واضطرارك إلى العمل وفق اشتراطاتهم، يوم تساهلت مع ملفات فساد المُقرّبين، وهي كثيرة. فعندما تُحيط نفسك بفريق من المرتشين، فلا تحلم بتحقيق اي من الانجازات ذات النفع العام، أبداً، فثمة تعارض جوهري بين مسار النفع العام والمسارات الفاسدة. بعبارة أخرى: هل كنت تعتقد بأن الضابط المرتشي يستطيع أن يواجه الإرهابي بنزاهة؟ أو هل فكرت يوماً بأن تسامحك مع الوزير الفاسد سيمكنك من تحقيق اي منجز من خلاله؟ بالتأكيد أنت لم تفعل؛ لأنك تعلم بأن الفساد يساوي التفريط بالواجب، وتقديم المصلحة الخاصّة، ومهما كانت دونية وشريرة ودموية، على المصلحة العامة.
لا احد، وأكرر، لا أحد، في العراق، يجهل مستوى الفساد الذي وصلت إليه المنظومة الأمنية، وأنت تعلم بأن أخطر أنواع الفساد هو فساد الحارس أو الحامي، فروحك وارواح جميع من تهتم بهم رهن يديه. التسامح مع جميع أنواع الفساد معقول، إلا مع قادة الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية، فلماذا تسامحت مع هذا الفساد؟!
ملخص الكلام، أن العَظَمَة أشبه شيء بالمبضع الذي تمسكه بيدك وتضطر أن تجرح نفسك به كل يوم بمكان، لأن العَظَمَة تضطرك إلى أن تكون شديداً مع من تحب، فتقمعهم او تحرمهم أو ربما تضطر إلى سجنهم، وهذا ما سَيُعرضك إلى كراهيتهم واتهاماتهم وعزلهم اياك. لكن هذه هي ضريبة العظمة، وقد واتتك الفرصة لتكون عظيماً في التاريخ العراقي المعاصر. لقد امسكت زمام الأمور في دولة قيد التشكل وأحاطت بك أغلبية الشعب، وتجمعت لديك أموال الدنيا، فما الذي منعك؟! ستقول لي بأن دول الجوار فعلت المستحيل من أجل إفشالك، وسأقول لك، لم يكن بمقدور إيران ولا السعودية، ان تنفذا إليك وتمسكا بخناقك لولا تقريبك، أو حتى قبولك، بالفاسدين والنفعيين. كان يمكن لك، وبما توفر تحت يديك من مقدرات، أن تبني دولة من ذهب، لكنك لم تكن حازماً بما يكفي، ولا أريد أن أقول بأنك لم تكن نزيهاً بما يكفي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. الشمري فاروق

    شكرا لك ايها العزيز فلقد اشفيت غليلي...لقد قلت الحقيقة كل الحقيقه. لقد وضعت يدك على الجرح فشكرا لك مرة اخرى

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: صنع في العراق

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram