TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التعبير والتعبيرية في الفن المسرحي

التعبير والتعبيرية في الفن المسرحي

نشر في: 29 يوليو, 2013: 10:01 م

في أي عرض مسرحي يقوم الممثلون بالتعبير عن افكار ومشاعر تسكن الشخصيات الدرامية وتكوّن تلك الأفكار التي تقود الى المشاعر الخط الرئيس للفعل الدرامي، ومن هذا الخط تتفرع خطوط أخرى ثانوية تصب في الخط الرئيسي وتغذيه وتقويه لينشأ الصراع الدرامي بين الشخصية الدرامية وخصمها ولكل منها اهدافه التي تظهر عبر الافكار والمشاعر، والصوت والجسم هما الأداتان اللتان بواسطتهما ينفذ الممثل تعبيره.
ويتعرض التعبير في الاداء التمثيلي الى متغيرين: أساسي، وثانوي، والاساسي يتعلق بصوت وجسم الشخصية التي يمثلها الممثل وهما يختلفان عن صوت وجسم الممثل نفسه، بنسبة او أخرى، اما المتغيّر الثانوي فهو ما يحدث اثناء مرور الشخصية الدرامية في مسيرتها نحو هدفها النهائي بمواقف مختلفة، وهكذا يكون التعبير بالكلمة المنطوقة، وبالصمت ويكون أيضاً بالحركة وبالايماءة ويكون كذلك بقسمات الوجه.
اضافة الى تعبير الممثل هناك تعبير آخر يتم بواسطة الزي الذي يرتديه او بواسطة الماكياج الذي يصبغ به وجهه، وهناك تعبير اضافي اخر يتم بالمنظر الذي يحيط بالممثل او يكون مجرد خلفية له، فالمنظر المسرحي ليس مجرد تمثيل للمكان او للبيئة بل هو مجموعة علامات دوال لها معان ودوال تساند تعبير الممثل ولا يكتمل التعبير في العرض المسرحي الا عندما تتدخل الاضاءة والمؤثرات البصرية، وإضافة الى كونها تكشف عن التعابير سالفة الذكر فان لها دورها في التعبير وتوفير المزاح المناسب والجو النفسي المناسب كعامل من عوامل التعبير.
أما (التعبيرية) فهي مصطلح جمالي واسع يمكن أن يستخدم في أي تصوير لعاطفة مشددة وخصوصاً في الفنون البصرية وفي المسرح يشير المصطلح الى حركة تأصلت في ألمانيا في أوائل القرن العشرين كرد فعل ضد الطبيعة اللامسرحية والمحدودة للمدرسة الطبيعية، وتتميز صفات المسرح التعبيري برفض النفسية الفردية الذاتية من أجل التوغل نحو جوهر انسانية اضافة الى رسم العواطف القوية، مع الاهتمام بالاوضاع الاجتماعية المعاصرة والبنى الحديثة والشخصيات الشمولية في الغالب شخصيات بلا تسميات واستحداثات بصرية بدلاً من مشاهد معتمدة على التبادل اللساني، ولغة مشحونة جداً شبيهة باللغة التلغرافية وسينوغرافيا رمزية واضاءة وازياء مسرحية في عروض لا تمثل الواقع تمثيلاً تشابهياً.
يعتقد التعبيريون ان الحقيقة الاساسية تكمن داخل الانسان وليس بالمظهر الخارجي له، ولذلك لابد من اعطاء الحافز الذاتي الأولوية وتغليبه على المظهر الموضوعي في التعبير، وتدعو التعبيرية الى تدمير المادية وزخارف المجتمع القديم والى ادراك الفرد للمسؤولية الاجتماعية، انعكست اراء التعبيرين في الدراما في الملامح التالية: 1.الفكرة الرئيسة هي التي تربط احداث المسرحية وليس مبدأ السبب والنتيجة. 2.ترفض الشخصية الرئيسة في المسرح التعبيري كل ما هو مادي وتضحي من اجل مثلها الاعلى- الفكرة الرئيسة، 3.تختزل المسرحية التعبيرية العناصر الدرامية الى أدنى ضروراتها فالحركة والحوار ليس الا وسيلتين للجدل والنقاش من اجل توصيل الرسالة، الفكرة الرئيسة 4.التجريد والتشويه موجود في كل عنصر من عناصر العرض وذلك انعكاساً عن لاوعي الانسان، عن حلمه، عن تحرر (الهو) من سلطة الرقيب (الأنا والأنا الأعلى) وهناك احداث تجريبية ومشوّهة كما نرى في الاحلام- جثث تخرج من قبورها، رجل يحمل رأسه في كيس، جدران تميل للسقوط، هياكل عظمية تمشي وشخوص تتحرك بآلية (روبوتات)، 5.هناك تضاد حاد في العناصر السمعية والبصرية والحركية-كلام سريع يليه كلام بطيء جداً، حوار يحمل قصيره يليه مونولوغ طويل، احداث واقعية تتحول الى صور خيالية وكأنها صور حلمية.
يعتقد البعض ان اول مسرحية تعبيرية هي (قاتل أمل النساء) لمؤلفها (غوغوشكا) ونشرت عام 1907 بينما يرى آخرون ان اول مسرحية تعبيرية هي (الشحاذ) لماثرسورج نشرت عام 8912 وتدور أحداثها عن الصراع بين الجيل الجديد والجيل القديم بينما تدور أحداث المسرحية الأولى عن الصراع بين الرجل والمرأة حول أحقية كل منها بالتسيّد والحكم. بيد ان (موريس مترلنك) و(جورج كايزر) و(ارنست) استشهد الأول بمسرحية (الطائر الأزرق) والثاني بمسرحية (رجال كالبر) والثالث بمسرحية (صراع الانسان) أما الرابع فاشتهر بمسرحية (القرد الكثيف الشعر).
وفي اعتقادي فان كلاً من الدادائية والمستقبلية والسوريالية ليست الا فروعاً للتعبيرية حيث تشترك جميعها بصفات أو قواسم مشتركة ومنها: رفض محاكاة الواقع ومعطيات المسرح الطبيعي، وانما الاعتماد على الصور الحلمية أو الكابوسية بما تحمله من تشويهات وتناقضات وبؤر متعددة، أكدت جميع هذه المدارس الفنية على الجانب الروحي، كما اشتركت جميعها في الغاء مبدأ الوحدة الفنية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram