في قلب المدينة القديمة، وعبر طريق فيا دولوروسا، والتي سلكها المسيح وهو يحمل صليبه الخشبي الثقيل، في طريقه الى تنفيذ حكم الاعدام بحقه، قبل اكثر من الفي سنة، وهنا تعيش عائلة نجيب التي تعاني من الاعاقة في كل مرة حاول احد افرادها في صعود السلم الحجري الق
في قلب المدينة القديمة، وعبر طريق فيا دولوروسا، والتي سلكها المسيح وهو يحمل صليبه الخشبي الثقيل، في طريقه الى تنفيذ حكم الاعدام بحقه، قبل اكثر من الفي سنة، وهنا تعيش عائلة نجيب التي تعاني من الاعاقة في كل مرة حاول احد افرادها في صعود السلم الحجري القديم، الى منزلهما، الذي تمتلكه العائلة منذ ثلاثة اجيال.
والعقبة هذه تتمثل بجندي اسرائيلي من حرس حفظ الامن، ويحتفظ بسلاح مشدود عبر صدره، وملامح وجهه لا تدل على المودة، وهو يقف عادة، كما يقول افراد العائلة في منتصف السلم، يكاد يسد الطريق تقريباً، ليبق جزء ضيق منه سالكاً في الممر المؤدي الى الطابق الاعلى.
وهو لا يتحرك من مكانه الا بصعوبة، كما يقولون، فيضطرون احياناً الى التراجع، وفي بعض الاحيان يقفون بعناد، دعنا نجتاز الطريق، هذا هو منزلنا، تحرك قليلاً عن الطريق.. ولا يستمر هذا طويلاً، مجرد ثانية او اثنتين فعائلة نجيب تدرك انها تخوض معركة مثل اخرين من امثالهم خاسرة.
وهذه المعركة تدور في القدس التاريخية القديمة، التي يحيطها جدار صغير ليس اطول من كيلومتر مربع، ضمن المدينة الممتدة التي تسمى جيرو سالم، والمقسمة الى احياء للمسلمين، اليهود، المسيحيين والأرمن، انها قلب المشكلة التي دامت عدة عقود بين الفلسطينيين واليهود، وهي مركز الديانات الثلاث المهمة و عامل الجذب للحجاج والسياح من كل مكان من العالم، وضمن النتائج المتعلقة بالاديان، هناك قساوسة وحافات وأئمة.
وبعيداً عن محال بيع (الهدايا التذكارية) هناك مشاعر التوتر، ويقول الفلسطينيون ان هناك تصاعداً في تهويد القدس القديمة، ويصر المستوطنون اليهود انهم يستعيدون ارضاً وهبها الله لهم.
ويعيش اليوم حوالي 1،000 مستوطن يهودي بين 31,000 فلسطيني في الحي المسلم للمدينة القديمة، ويعمل اولئك اليهود على الاستيلاء على تلك البيوت التي عاش فيها المسلمون منذ عدة قرون، وايضاً وضع الاعلام الاسرائيلية على اسطحها، انهم الخط الاول من المقاتلين لمعركة أكبر- مدعومين من الحكومة الاسرائيلية واجهزة الأمن لتأكيد السيطرة على جيروسايم، ودفع الفلسطينيين الى الخروج، بغية تضاءل اعدادهم.
ومن التقاليد الفلسطينية، ان يعيش افراد العائلة الواحدة جنباً الى جنب، ولكنهم اليوم لا يجدون اماكن لسكناهم، (في حالة زواج أحد افرادها)، ولذلك تضم الغرفة الصغيرة مثلاً اكثر من اربعة افراد، وقد يزيد العدد مستقبلاً! ومن فوق شرفة المنزل ترفرف اربعة اعلام اسرائيلية اضافة الى العديد من شعارات الدولة اليهودية، لترسل رسالة واضحة تقول لعائلة (نجيب)، ان المبنى بين ايدي اليهود، ويرفض المستوطنون اليهود الحديث للصحافة، وقال احدهم: (مهما نقول، فاننا في نظر الجميع، المستوطنون، والفلسطينيون هم السكان الاصليون). ومع ذلك فان هناك منظمات خاصة تحرص على شراء بيوت الفلسطينيين في الحي القديم الذي كان يسمى (الحي المسلم).
ان مشكلة الصراع في القدس قديم، وقد تناولته اعداد لا تحصى من الكتب، ويقول التاريخ ان اليهود سكنوا المدينة اولاً، ولكن المسلمين والنصارى، لهم ايضاً جذوراً تمتد الى عدة قرون ايضاً.
وفي عام 1948، بعد تشكيل دولة إسرائيل تم تقسيم مدينة القدس، لتكون المدينة القديمة تحت سيطرة الأردن، واليهود في المنطقة التي تتضمن الجدران القديمة، ولكن حرب 1967، أدت الى احتلال إسرائيل شرق القدس ايضاً.
وتهدف المنظمات الإسرائيلية الى امتلاك القدس القديمة، وخاصة تلك المناطق الواقعة بالقرب من سور حيرود، وبيوت عند السور الغربي الصغير، تحت الحرم الشريف للمسجد الأقصى، وهذا ما يقوله النشطاء الفلسطينيين.
ومن اجل مضايقة الفلسطينيين، تقوم الشرطة الاسرائيلية بجولات يومية في الاماكن التي يعيش فيها المسلمين ومضايقتهم بشتى الوسائل، وابرزها تفتيش اوراقهم وهوياتهم، ويقول يوسف، الابن الاكبر للعائلة، (انهم لا يتوفون عن ذلك).
وفي الوقت نفسه، نجد ان الأزقة الضيقة وفي الفناءات المخفية في الحي المسلم، تسوء الحياة اليومية تدريجياً، وعبر الاعوام الثلاثين التي مضت تضاعف عدد السكان، وتصاعدت مستويات الزحام والفقر، ومعظم بيوت الفلسطينيين تفتقر الى انابيب المياه وايضاً الصرف الصحي، كما جاء في تقرير للأمم المتحدة، والذي أكدّ ايضاً ان 80% من منازل المنطقة في حاجة الى اعادة بناء او اصلاح سريع، وان ثلاثة من اربعة من اطفال الحي المسلم يعيش تحت خط الفقر ونسبة البطاقة 30%، ولا توجد فضاءات خالية ليلعب فيها الاطفال، كما ازداد عدد الاطفال الذين يهربون من المدرسة الى العمل، كما ازداد العنف المنزلي وايضاً المخدرات.
ويحرص الفلسطينيون على عدم مغادرة المدينة القديمة (من يغادرها يفقد حقه فيها)، من اجل الحفاظ على المستندات التي تؤيد وجودهم فيها.
وكما تقول الامم المتحدة، ان الفلسطينيين في المدينة القديمة، محصورون بين امرين: التعامل مع الاسرائيليين والسلطات على أسس التعامل اليومي، او الاحتفاظ بهويتهم الفلسطينية وثقافتهم وجذورهم الإسلامية والمسيحية.
وبالرغم من ذلك، فان هناك نوعا من التعايش بين المسلمين والمسيحيين مع اليهود الذين يسكنون المدينة القديمة، مع بعض الاحتراس وفي ذلك الحي، يعلو صوت المؤذن، من الجامع القريب من عائلة نجيب، كما تأتي اليهم صوت الصلوات اليهودية، من الطابق الأعلى.
وعندما يوجه سؤال الى يوسف، هل انه مستعد لبيع المنزل القديم لليهود؟ يجيب قائلاً: (إن أعطيت ثروة إسرائيل كاملة، فلن أتنازل عن بيتي).
عن: الاوبزرفر