في واحدة من أمسياته التي ينظمها في مقهاه بحي "عبدون" الراقي بالعاصمة الأردنية والذي حمل عنوان واحدة من اشهر أغنياته، غنى المطرب العراقي الهام المدفعي من جديده الغنائي، مثلما استعاد معه الجمهور أغنيات حملت روحية الموروث الغنائي العراقي بطريقة معاصرة ابتكرها المدفعي في سبعينات القرن الماضي، وأعطى الجيل الجديد حينها من الشباب العراقي مثلا في جرأة التعاطي مع الموروث دونما "تقديس" لعناصر أصالته ودونما مبالغة في "الاغتراب" عنه.

واذا كان "الروك" في سبعينات القرن الماضي هو الملمح السائد في النغم الغربي المعاصر، حين استعان به المدفعي في اطلاق توليفة خاصة به، وصارت علامته المميزة، لتقديم الموروث الغنائي العراقي وفق النغم الغربي ذلك، فان "الجاز الشرقي " او "الاورينتال جاز" هو الاتجاه الذي اعتمد المدفعي بعد ذلك بعشرين عاما، حين بدأت اقامته في عمّان، وينطلق منها الى عواصم عربية وغربية (ثمة رحلات عمل فني اخذته الى البحرين وبيروت ولندن وباريس ومدن اميركية) فيما صار ايقاع "السالسا" ونغمها اللاتيني الحيوي، بمثابة المسار الجديد لمعادلة المدفعي الخاصة: النغم العراقي القديم بروحية معاصرة، وهو ما كان الاكثر حضورا في امسيته الاخيرة.

في برنامج الامسية، مقطوعات موسيقية غنائية لطالما كانت تحول امكنة مختارة في عمان الى امسيات وجد وشجن عراقي، إضافة الى عروض غنائية يشترك معه في احيائها موسيقيون عراقيون شباب، فكانت هناك مقدمة موسيقية انيقة في هدوئها ورقة عزفها، ليتم الانتقال الى واحدة من الامثلة على قدرة الاغنية العراقية الكلاسيكية في البقاء على قيد العواطف المعاصرة، فغنى " شربتك المي" ولكن وفق خلفية ايقاعية رشيقة للغاية وفرها ايقاع "السالسا" بعزف مؤثر من فرقته الموسيقية.

ومن ما يمكن تسميتها بالاغنية العراقية "الحديثة" غنى "حايره"، وما يبقي لمسة المدفعي هنا خاصة ومؤثرة في الاسماع، هو التوزيع الموسيقي الذي يمنح الاغنية روحية جديدة، ضمن فضاء من الغناء الحي الذي تزيده التنويعات والارتجالات على اللحن الاصلي، حيوية وتأثيرا.

واذ يقارب المدفعي اغنية "التفاح" الذي نوه الى صاحبها الاصلي، المطرب فاضل عواد، فانه يحيل ايقاع "الجوبي" الى تنويعات جعلت اللحن الاصلي متخلصا من الكثير من ثقله الصاخب بل العنيف احيانا.

ومن ايقونة الغناء العراقي الحديث "فوق النخل" وصولا الى "سايب يا قلبي سايب" امكن الحصول على موجات من الترفيه الغنائي الراقي، وفق كيمياء نغمية تحيل النغم الاصلي الى ايقاعية شيقة، تثير الكثير من الاشواق والمتعة الروحية. 

واخذ الحنين مأخذه عند الحضور من العراقيين والعرب الذين حضروا الامسية حين غنى لهم: "خطار...عدنا الفرح" التي تعد احدى اغنياته الشخصية المهمة، وحملها عنوان اسطوانته التي سجلتها اكبر انتاج الاسطوانات وهي شركة EMI وقامت بتوزيعها لاحقا على مدى واسع في المنطقة العربية وبعض المدن الاوروبية التي تميز بحضور جاليات عربية وعراقية كبيرة اضافة الى المدن الاميركية التي سبق له ان زارها في جولته.

وتضمنت اسطوانة "خطار" عملا مصاغا بطريقة "الجاز الشرقي (ORIENTAL GAZZ) مزج فيه المدفعي الات الساكسفون بالقانون والغيتار والباص غيتار والايقاعات، وحمل عنوان "الله عليك". كما تضمنت الاسطوانة قصيدة للشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي بعنوان "قطرة المطر" لحنها الهام المدفعي وغناها اعتمادا على توقيعات راقية يجيدها في عزفه على الغيتار.