محمد مزيد كراديتش يدخل التاريخ من ابواب الدم التي اراقها ذات يوم ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وكان يتوقع حين اختفى في احدى القرى الصربية ان ينساه ذلك التأريخ، الذي نعتقد انه لاينسى اي شيء، لكنه، بعد 12 عاما من الاختفاء مقنعا باوجه عديدة، وقع في قبضة العدالة وهو يجرجر الى المحكمة الدولية في لاهاي للرد على التهم الموجهة ضده كونه مجرم حرب عتيد.
نعتقد ان طغاة العصر، أمثال صاحبنا كراديتش يتشابهون في نوع الاتهام، او في نوع الجرم الذي ارتكبوه، فهم عشاق لنزيف الدم، وهم مستعدون على الدوام ان يبيدوا المجاميع البشرية ويتفننوا في دفنهم احياء بمقابر جماعية مادام ذلك يمكنهم من البقاء أطول فترة ممكنة على الجلوس في كرسي الحكم، ولكنه الجلوس والبقاء المشين حتما. المحكمة الدولية في لاهاي وضعت هذا الدكتاتور الطاغي في قفص الاتهام وفي ملفاتها 11تهمة.. أي واحدة منها لا يمكن لضمير الإنسانية ان يتحمل أعباءها، كالإبادة الجماعية التي اقامها خلال سنوات الحرب 1992- 1995 ضد جمهورية البوسنة والهرسك وبالذات في مدينة سريبرنيتشا وراح ضحيتها 100 ألف شخص. عشرات النسوة من سكان هذه المدينة المنكوبة كن يجلسن خارج قاعة المحكمة في لاهاي بانتظار القرار العادل الذي ستقوله بحق هذا الجزار.. هؤلاء النسوة هن أرامل وأمهات وأخوات الرجال الذين اعدمهم كراديتش في مقابر جماعية بعد ان تم عزلهم عن عوائهم، وقيام قواته فيما بعد باغتصاب النساء على مرأى ومسمع العالم. من طرافة التاريخ، ان كراديتش صديق حميم لصدام ، صاحب اكثر المقابر الجماعية تشييدا في الزمن المعاصر، ولعل عبارة شبيه الشيء منجذب اليه ، تنطبق حرفيا على صداقة الرجلين، احدهما، ارتاحت الثكالى العراقيات منه عندما لقي مصيره المحتوم والآخر ينتظر. أمس الأول، وقف الطاغية الصربي امام المحكمة الدولية يطالبها باطلاق سراحه، لانه لا يعترف بالجرائم التي ارتكبها.. ومن حقه، نقول، ان يطالب بأي شيء، الا انه امام حفلة التاريخ المقامة ضد طغاة العصر لا يمكن لأنين الثكالى من الأرامل والأمهات والأخوات ان يجد لها عزاء، الا بقتل القتلة.. ولو بعد حين. Nashamdeen@yahoo.com
نافذة على العالم: كراديتش.. وحفلة التاريخ
نشر في: 4 نوفمبر, 2009: 05:31 م