TOP

جريدة المدى > عام > الشرق السياسي.. أوهام الحريات وصناعة الأزمات

الشرق السياسي.. أوهام الحريات وصناعة الأزمات

نشر في: 3 أغسطس, 2013: 10:01 م

قراءة  المشهد  السياسي الإقليمي  لا تحتاج إلى فراسة خطيرة، أو  إلى سحريات أو قراءة الكف، مثلما فقدت حاجتها للعتمة المخابراتية القديمة والمثيرة، فكل شيء أصبح مكشوفا، وسياسيو الصناديق كتبوا مذكراتهم وأباحوا نشر الثياب الداخلية على ح

قراءة  المشهد  السياسي الإقليمي  لا تحتاج إلى فراسة خطيرة، أو  إلى سحريات أو قراءة الكف، مثلما فقدت حاجتها للعتمة المخابراتية القديمة والمثيرة، فكل شيء أصبح مكشوفا، وسياسيو الصناديق كتبوا مذكراتهم وأباحوا نشر الثياب الداخلية على حبل الغسيل، ومرجعيات ويكليكس تحولت  إلى دكان للخردة المعلوماتية، وربما بعض وكلاء  الأجهزة المقفلة فتحوا الكثير من أكياس الأسرار.. طبخات المعلومات السرية حول ما يجري في الشرق العربي فقدت الكثير من بريقها، ولم تعد  مثار سجال وجدال، بقدر ما هو خضوعها للحسابات في المصالح والستراتيجيات والأدوار

فضلا عن أن مطابخ الإعلام الغربية لم تعد تعطيها الاهتمام الواضح، أو حتى الاستعراض كما كانت تهتم به صحف مثل الغارديان والواشنطن بوست أو الأندبندت وغيرها، فهذا المشهد بات ساذجا، كئيبا ومتعالقا بمعادلات النظرات الحكوماتية للسياسة، وطرقها في التعاطي مع الأزمات والصراعات، ومن منطلقات ليست مهنية طبعا، بل من مرجعيات أيديولوجية أو مصالحية أو أجنداتية! إذ تحول الكثير من الحكومات إلى مطابخ، والسياسات العربية صارت الأشبه بوجبات طعام، أو ربما اجترحت وصفات لهذا الطبخ أن يكون دسما ومحشوا بكل البهارات والسكريات لكي تأتي بمفعولها السريع للأجساد الخاوية، الأجساد التي باتت تتخيل إعادة إنتاج أكثر رعبا للحاكميات.

الولايات المتحدة تحرك الأوراق عن بعد، وتصطنع لهذه الحركات جماعات داخلية، أكثر من الجهد المخابراتي، خاصة أن الحكومات العربية اليوم حكومات هشة، وغير خاضعة لأية مركزية، أي أنها تضع مفهوم الحماية والأمن الوطني في سياق المصالح وليس في سياق التحديات، وحتى صعود ما يسمى بـ(حكومات الإسلام السياسي) لا يخرج عن هذا المجرى، مجرى تفكيك المركز القديم للنظام السياسي العربي المباد، وغير القادر على تجديد أدواته، وعن مجرى خارطة الطريق الأمريكية للمنطقة القائمة على(خصخصة) مفهوم الحكم، وربط الدول الجديدة ما بعد أوهام الربيع العربي بالحسابات التأهيلية لصندوق النقد الولي والبنك الدولي، وصراع المصالح الذي تقوده أمريكا وبعض دول أوروبا الغربية ضد الكارتل الاقتصادي والسياسي القادم متمثلا بـ(الصين، روسيا) والكارتل السياسي الراديكالي الذي تقوده(إيران وكوريا الشمالية)، أي أن الحسابات السياسية تتجه باتجاه صناعة أسواق ومديونيات وسياسات متضخمة في المنطقة، يختلط فيها كل شيء تربط بالمصالح الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن أثرها الثقافي في إعادة إنتاج مفهوم(العدو) الديني والثقافي والسياسي، بمن فيها العدو الداخلي، ذو التوصيفات الطائفية والقومية، بدءاً من التهويم بالصراع السني الشيعي في العراق ودول الخليج وسوريا وإيران وباكستان، تواصلاً مع الصراع النمطي بين الإسلام النصي والاتجاهات العلمانية، كما هو في تونس وليبيا ومصر، رغم أن التجربة المصرية غير خاضعة للقياس لأنها أساسا دولة توازنات إقليمية ودولية، وأن الخلل فيها يعني الإخلال بالتوازنات في المنطقة برمتها.. 
الوقائع والسياسات
ما يجري في سوريا منذ سنتين، والمعطيات الأخيرة للسياسة والميدان، والمواقف نصف الثورية للجهات الداعمة للحرب فيها، كلها تكشف عن النوايا المتخيلة لفكرة تذويب المجتمع في بنية سياسية مهيمنة، أو تقسيم سوريا إلى (أرخبيلات) أو كانتونات للمكونات الإثنية، خاصة بعد بروز الطرف الكردي المسلح في المعادلة وصراعه المكشوف مع جماعة جبهة النصرة وتحرير الكثير من المناطق الكردية شمالي سوريا..
هذه الوقائع والسياسات والصراعات قد تبدو غير بريئة، وأن هناك حسابات دولية تحركها، إلاّ أنها ستكون سببا في خلق بؤر صراعية جديدة، منها إعادة الصراع التركي الكردي في حالة نشوء إقليم كردي شمالي سوريا، ومنها انعكاس ذلك على المصالح التركية الاقتصادية الضخمة في العراق والبالغة بحدود(17)مليار دولار، ومنها صناعة دولة مفككة ومدمرة في سوريا، مع صراعات مفتوحة بين جماعات قد تكون عنصر تهديد دائم للأمن الإقليمي، ومنها أيضا وهو ما يدخل في الحسابات السسيو ثقافية حول إعادة النظر في مفهوم العدو القديم من جهة، وربط هذا العدو بأوهام صراعية ذات حساسيات اقتصادية وطائفية، على طريقة ما كان يتبدى في سنوات الحرب الباردة، ناهيك عن تحويل المنطقة بأكملها إلى منطقة كوارث، وصراعات دولية اقتصادية ومصالحية مكشوفة. 
ما يمكن أن تعانيه هذه الدول المهددة بالتفكيك، سيتحول حتما إلى معطيات تنعكس على أدوارها التقليدية في المنطقة، مثلما ينعكس على توصيفها السياسي، وعلى طبيعة قراراتها ومواقفها، لأنها ستكون متفرغة لحروبها الداخلية دونما انتصارات حقيقية، أو متورطة بارتكاب جرائم حرب، أو باحثة عن اصطفافات سياسية وحمائية...وما يحدث في ليبيا وفي تونس، وحتى الأردن- تحت الطاولة- يؤكد كثيرا هذا المعطى، إذ أن هذا التفرغ الداخلي الصراعي يعني النكوص في وقائع لا تعني سوى الوقوع في شرك الدولة الفاشلة المأزومة، الدولة المستيدنة والباحثة عن منقذ، وكل أوهام الديمقراطيات والثورات ستكون نوعا من المهدئات، ونوعا من النهائيات التراجيدية لحلم الدولة الوطني، لأن هذه الثورات الافتراضية، سلمت البلدان مثلما سلمت رؤوس الحكام وأصحاب الرساميل الوطنية للهجرة أو القتل لصالح خصوم قساة ونقليين وخارجين من التاريخ و من الماضي، والذين لا يؤمنون أصلا بفكرة الدولة السياسية مقابل افتراضهم للدولة الشرعية، ولا يؤمنون أيضا بشيء اسمه ديمقراطية ويعدّونها كفرا وخروجا على الأمة...
لكن ما حدث في مصر بعد (30) يونيو يمثل كسرا للإيهام السردي لفكرة الهيمنة الإخوان تركية، ولنمط الأسلمة التقليدية، وبقطع النظر عن نظرية المؤامرة فإن معطيات التحول المصري، ودخول الجماعات العلمانية ومؤسسة الجيش على الخط يعدّ تحولا خطيرا في الحسابات السياسية والأمنية في المنطقة، لأنه سينعكس حتما على المعطيات والنتائج في سوريا، وعلى الصراع العربي الإسرائيلي خاصة بعد الاتفاق على إجراء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بموافقة وإلحاح أمريكي مباشر، وإخراج حماس من المعادلة، لأنها ستفقد غطاءها الداخلي، مثلما تفقد غطاءها الإقليمي بعد انهيار النظام الإخواني لها في مصر، وانتهاء الحاضنة السورية لحماس..
كما أن ما حدث في تركيا أخيرا يكشف عن أزمات مركبة في الداخل التركي وفي مسار هويتها المفترضة، تلك الأزمة لامست لأول مرة جوهر النظام السياسي الأردوغاني، أزمة تخص الهوية العلمانية للدولة الأتاتوركية، وأزمة تخص طريقة تطبيق الديمقراطية ومفهومها الإجرائي، وأزمة تمس جوهر العلاقة داخل الدولة بين السلطة والمعارضة، مثلما هي أزمة تمس العلاقات التركية المأزومة مع بعض جيرانها، التي تتقاطع مع سياسة (تصفير المشاكل) التي أعلنها داود أوغلو وزير الخارجية التركي..
الأحداث توحي بأن النظام السياسي مازال يعيش بديمقراطية هشة، ومازال جزءا من منظومة القوة التي تمارس وظيفة الحاكمية بالفرمانات، وأزمة العلمانية تحولت إلى نوع من التورية، إذ أخذت الممارسة السياسية تأكل من جرف العلمنة حدّ أنها ظلت فقط معلّقة مثل صورة أتاتورك الرسمية..
وأزمة النظر إلى الديمقراطية تحولت إلى اختبار بعد التظاهرات الشعبية المناوئة للحكومة، فهذه الاختبارات أصابت النظام الديمقراطي بأعراض العنف، وتحول النظر إليها خارج المعايير التي يمكن أن تضع تركيا في خانة الاتحاد الأوروبي، إذ أن النصائح التي قدمها الأوروبيون لأروغان حول طريقة تعامله مع التظاهرات توحي بأن الأفق بات مغلقا لهذا الحلم التركي، كما أن اتهام أردوغان للمعارضة بتهم غير ديمقراطية، والتشكيك بوطنيتها يضع الأزمة التركية أمام أفق غائم، أفق من الخلافات والصراعات، الذي يحاصره الكثير من مفاهيم الشرق العنفية حول الأغلبية التي يهدد بها والأقلية التي ما عادت تؤمن بهذه القسمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram